تداعيات الصراع الحوثي- السلفي تجاوزت أسوار محافظة صعده في شمال اليمن لتصل إلى مناطق ومحافظات يمنية أخرى . ولكن ما خلفيات وأبعاد هذا الصراع ؟هل هو صراع مذهبي أم أنه صرع سياسي بغطاء ديني ؟ لأول مرة منذ توقف الحرب السادسة التي اشتركت فيها القوات السعودية بصورة مباشرة إلى جانب قوات الجيش اليمني ضد عناصر الحركة الحوثية في محافظة صعده اليمنية الشمالية في فبراير 2010،تندلع مواجهات عسكرية مباشرة بين عناصر تتبع الحركة وأخرى تتبع التجمع اليمني للإصلاح - أكبر أحزاب اللقاء المشترك المعارض سابقا الشريك في حكومة الوفاق الوطني حاليا في مدينة ريدة 45 كم شمال العاصمة صنعاء،على خلفية احتجاجات لجماعة الحوثي ضد تعيين محافظا لمحافظة عمران القريبة من صعده ينتمي للتجمع اليمني للإصلاح - القريب من نهج الجماعات السلفية في نظر الحوثيين – وكان الحضور الحوثي قد أمتد للعاصمة صنعاء بانتشار شعارهم المعروف ب(الصرخة) بصورة واسعة في الشوارع والأحياء ألرئيسية في حين وصل التوتر بين الحوثيين والإصلاحيين إلى مدينة تعز 260 كم جنوب غرب العاصمة مما أثار قلقا إصلاحيا وسلفيا من وصول تأثير الحوثيين لمناطق لا تمثل قاعدتهم المذهبية.
خلفيات وأبعاد نشؤ الحركة الحوثية
في منتصف العام 2004 شنت القوات اليمنية حربا ضد جماعة ثقافية دينية تنتمي للمذهب الزيدي (الشيعي ) في محافظة صعده شمال اليمن، عرفت باسم الشباب المؤمن ويقودها حسين الحوثي،نجل المرجعية الزيدية العلامة بدر الدين الحوثي، ونائب سابق في البرلمان اليمني عن حزب الحق، وترفع الجماعة شعار " الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام" وتردده بعد صلاة الجمعة أسبوعيا في مساجد صعده ثم الجامع الكبير في صنعاء القديمة لاحقا، وفيما تقدم الحركة نفسها من خلال الشعار بوصفها حركة نهوض ديني وتحرر قومي كما يراه زعيم الحركة عبد الملك الحوثي أنه "مشروع قرآني يستهدف مواجهة الهيمنة الأمريكية والغطرسة ألإسرائيلية ". رأت الحكومة اليمنية فيه خطرا يهدد علاقاتها الخارجية،ويشكك بشرعية الحكم والحاكم.
ويرى الكاتب السلفي اليمني عادل الأحمدي أن الحوثية حركة إحياء لمشروع سياسي ديني مذهبي نشأ في أوائل " ثمانينات القرن الماضي ، على يد العلامة صلاح أحمد فليته ومن رموزها العلامة مجد الدين المؤيدي والعلامة بدر الدين الحوثي". معتقدا أنها استفادة من لعبة التوازنات السياسة بين شريكي الوحدة أليمنية بعد عام 1990 ،وبين شريكي النصر بعد حرب 1994.
أما الكاتب السياسي السعودي سعد بن عمر يرى أن أسباب ظهور وتطور الحركة الحوثية يكمن في تقليص السعودية للرواتب الشهرية والمساعدات المالية التي كانت تقدمها لمشايخ ورجال القبائل اليمنية عبر اللجنة ألخاصة وتوقيف الدعم المالي للمعاهد العلمية ( السلفية) التابعة لحزب ألإصلاح ومنع المنح عن الطلاب اليمنيين في الجامعات ألسعودية بعد غزو الكويت في أغسطس 1990 مما ترك فراغا سدته جماعة الحوثي وإيران .
ولكن الصحفي والكاتب اليمني عبد الكريم الخيواني المتخصص بشؤون الحركة الحوثية يشدد على أن الحركة " نشأت في إطار فكري ولم تكن بادئ الأمر حركة سياسية منظمة لها أهداف ونظم ولوائح كغيرها من الحركات ألسياسية" ويشير الخيواني إلى أنها "لم تكتسب تسمية الحركة الحوثية إلا أثناء حرب صعده, وأن السلطة هي التي أطلقت عليها هذه التسمية،فقد كان يطلق عليها قبل هذا (جماعة الشعار) ".
الأبعاد الإقليمية الصراع
توسع الصراع الحوثي السلفي خارج أسوار صعده يرى فيه الصحفي اليمني أمين محمد شرف في حديث مع ال " دويتشه فيله " عربية "تعبيرا عن انخراط عفوي في إطار الاستراتيجية الهادفة لتفجير الصراع السني ألشيعي ويعتقد شرف "أن السعودية تقود هذا الصراع بوعي كامل عبر الجماعات السلفية وبواسطة جهاز مخابراتها" ومن جانبه يعتقد الناشط في الثورة الشبابية السلمية عادل الحليف في تصريح ل " دويتشه فيله " عربية أنه" امتداد للصراع السعودي الايراني حيث يرتبط الحوثي بالمذهب الاثنى عشري الايراني ويرتبط السلفيين بالمذهب الوهابي اساس الحكم في ألسعودية اوفي السياق نفسه يذهب الناشط السياسي اليمني طارش عباس معتبرا " الحوثيين والسلفيين ادوات لهاتين الدولتين في اليمن " ولكن رياض السامعي نائب رئيس اللجنة التحضيرية للحزب الليبرالي اليمني يرى فيه " صراع سياسي يستغل الأدوات التقليدية و العاطفة الدينية للوصول للسلطة مستخدما مليشيات عسكرية مدعومة بتوجهات دينيه."
تأثير الصراع على الخارطة السياسية
يبدو أن توسع الصراع الحوثي السلفي بوجهه الإصلاحي قد كشف عن خلل كبير في منظومة العملية السياسية اليمنية وتوحي المؤشرات الأولية لتأثيرات كبيرة وعميقة قد تصيب الخارطة السياسية الحالية في اليمن،إذ يخشى شرف من توجيه هذا الصراع لضرب قوى الثورة الشعبية السلمية باستدراج حزب الإصلاح إليها كون قاعدته لا تزال تظم قوى سلفية واسعة ومؤثرة وهي قريبة من الوهابية السعودية،كما يخشى أيضا أن ينجر الحوثييون (أنصار الله كما يدعون) وينخرطون في التنسيق مع أنصار النظام السابق وهذا برأي الصحفي اليمني سيجعلهم في صف الطغيان الداخلي في مواجهة قوى الثورة الشعبية السلمية.
ولكن المستشار والسياسي المخضرم أحمد قحطان الجنيد يرى في تطور الصراع الحوثي السلفي بروز للقوى التقليدية الدينية والمحافظة على حساب القوى الديمقراطية المدنية خاصة وأن فعل ودور التيارات الأخرى من اشتراكيين وليبراليين وقوميين وحتى الإسلاميين المتنورين لا يزال ضعيفا ولا يرتقي لمستوى الفعل المطلوب،مما يترك فراغا لا تسده سوء القوى التقليدية بما تملكه من حضور فعلي وإمكانيات مادية وعسكرية.
ومن جانبه يرى السامعي في هذا الصراع "خطرا يهدد مستقبل اليمن ، ويستهدف مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة " .