*يمن برس - اصالح البيضاني -العرب اللندنية كان الطلبة، الذين ألقوا للتو السلاح، يصطفون بسعادة في انتظار تحية مسؤولين يمنيين في مدينة مأرب، حيث أقيم حفل لتكريمهم استعدادا لإعادة ضمهم إلى المدارس.
وتسلم كل واحد من الطلبة الستة الذين زج بهم الحوثيون في الحرب لذويهم مبلغا رمزيا وحقيبة مدرسية، وهو مشهد تكرر قبل أشهر في مدينة عدن الجنوبية بعد تحريرها، إذ تم إدماج الأطفال المقاتلين الذين أسرتهم القوات الحكومية في دورات إعادة تأهيل بهدف إرجاعهم إلى طفولتهم، أو إرجاع طفولتهم المسلوبة إليهم.
وتحاول الحكومة اليمنية استعادة السيطرة تدريجيا على منظومة تعليمية يمنية سقطت بأيدي الحوثيين منذ استيلائهم على العاصمة صنعاء قبل ما يقرب من عامين. وركز الحوثيون مذاك على تعيين مديرين يحملون أيديولوجية الجماعة الشيعية القادمة من الشمال في الإدارات التابعة لوزارة التربية والتعليم. ويقول مسؤولون سابقون إن الطالبات في الكثير من المدارس الابتدائية والإعدادية بتن مجبرات على ارتداء الحجاب، كما تم تغيير المناهج الدراسية وفرض قيود صارمة على قدرة وسائل الإعلام على الوصول إلى المدارس.
ويقول باحثون يمنيون إن رؤية الحوثيين للعملية التعليمية تنتهي إلى إزالة الفارق بين “المدارس والمتارس”، وتسريب قيم الحرب والتعصب المذهبي إلى عقول الطلبة. ودأبت الجماعة الحوثية منذ وقت مبكر على إنشاء منهج ثقافي وتعليمي يستند على تنظيرات مؤسس الجماعة حسين بدرالدين الحوثي ومحاضراته التي جمعت في ما بعد تحت اسم “الملازم”. وأصبحت “الملازم” المصدر الفكري الوحيد الذي يغذي عقول أنصار الجماعة وأتباعها بعد أن أضفيت هالة من القدسية على مقالاته، إذ اعتبرها الحوثيون “تفسيرا مقدسا للقرآن”، ووصفوا الحوثي ب”قرين القرآن”.
وفي صعدة، التي تعد معقل الحوثيين، يقف الطلاب مرددين أناشيد جماعة الحوثي بدلا من النشيد الوطني. وفي العادة، يكون عليهم الاستماع إلى شرح دروسهم من قبل معلم عضو أو تابع للحوثيين، كما يؤدي الطلبة امتحانات آخر العام في مناهج تهيمن عليها تعليمات مؤسس الميليشيات. كما أظهرت أشرطة مصورة تم تسريبها من صعدة قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، إجبار الطلاب على ترديد عبارات يعبرون من خلالها على ولائهم للقائد.
ويقول الصحافي اليمني همدان العليي، الذي عمل على عدد من التحقيقات الصحافية حول ظاهرة “حوثنة التعليم اليمني”، “إنه في العام 2004، كانت أفكار الحوثي لا تزال خارج حدود المدرسة رغم استهدافها للطلاب، لكن ما إن تمت السيطرة الكاملة للجماعة على صعدة في العام 2011، حتى قامت الجماعة في ظل غياب شبه تام للدولة، باستخدام المدارس الحكومية الموجودة في بعض مناطق محافظة صعدة لحرف العملية التعليمية عن مسارها الطبيعي”.
وأكد ل”العرب” أن ذلك يتم “عن طريق تغيير بعض المناهج. وتم هذا غالبا في المدارس الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بشكل كامل في كل من مران، وفوط، وذويب، وضحيان، والحمزات، وآل جعفر، والشوارق، والجمعة، ومدران”. وكان تغيير مدير مكتب التربية والتعليم في صعدة وتعيين شخص موالٍ للحوثيين الخطوة الأولى التي أقدمت عليها الجماعة آنذاك، وتبعت ذلك بتغييرات واسعة لمدراء مدارس مختلفة.
والعام الماضي تم تفجير الكثير من المدارس التي وجد الحوثيون صعوبة في السيطرة عليها فكريا. ودمرت الجماعة مدارس تقع في مناطق يشكل السلفيون أو الإخوان المسلمون الحاضنة العميقة فيها، كما تم تحويل الكثير من المدارس إلى ثكنات عسكرية أو مخازن للسلاح. ويشير تقرير أممي صدر في العام 2015 إلى “أن عددا لا يحصى من أطفال اليمن مهددون برؤية فرصة ذهابهم إلى المدرسة تتلاشى يوما بعد يوم، وأنه بعد احتدام النزاع وإغلاق 3.600 مدرسة أُجبر أكثر من 1.8 مليون طفل في سن التمدرسة على تركها، مما أوصل عدد الأطفال في سن الدراسة خارج المدرسة إلى 3.4 مليون، أي حوالي نصف الأطفال في سن الدراسة”.
وأشارت مصادر حكومية إلى أن من أبرز التداعيات التي انعكست على التعليم في العامين الماضيين ارتفاع نسبة الأطفال خارج المدرسة بنسبة تصل إلى 47 بالمئة. وأكد مصدر في وزارة التربية والتعليم اليمنية ل”العرب” أن نحو 288 مدرسة تم تدميرها جزئيا، و95 مدرسة دمرت كليا، كما تم احتلال 29 مدرسة على الأقل من جانب جماعات مسلّحة، كما استخدمت 317 مدرسة لإيواء النازحين داخليا. وبعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة، أسرع الحوثيون عقب سيطرتهم عمليا على مؤسسات الدولة إلى البدء بتغيير بنية التعليم في اليمن وفرض رؤيتهم الفكرية والمذهبية والسلالية، كما جرى استبدال البنية الهيكلية والتنظيمية للتعليم في اليمن بشكل كامل.
ويقول نجيب السعدي، رئيس منظمة وثاق الحقوقية، “تحاول جماعة الحوثي إحكام السيطرة على التعليم عن طريق تعيين مدراء عموم ومدراء مدارس من الموالين للجماعة رغم أنهم لا علاقة لهم بالعمل التعليمي، كما تصر على استخدام المدارس في الدعاية ونشر أفكارهم بين طلاب المدارس وحثهم على القتال.” وأضاف “من أخطر الأعمال في تدمير العملية التعليمية هي منح شهادات نجاح ومعدلات مرتفعة للطلاب الموالين للحوثي، بغض النظر عن مستوى الطالب العلمي، كما حصل في نتائج الشهادة العامة في العام الماضي”. ويلفت السعدي إلى أن سياسات الحوثيين لتغيير بنية التعليم امتدت إلى التعليم الجامعي، حيث عمدت جماعة الحوثي إلى إغلاق الكثير من الجامعات الأهلية دون أي مصوغات قانونية سوى الرغبة في الانتقام من التعليم.
وقال السعدي “الجامعات الحكومية أيضا لم تكن بعيدة عن عبث الحوثي وجماعته، فقد تم تعيين رؤساء لجامعة صنعاء وذمار والحديدة وعمران من الشخصيات الموالية لهم، إضافة إلى تعيين عمداء للكليات من الموالين، بل إن العبث بالتعليم الجامعي لم يقف عند هذا الحد، وامتد لفصل أساتذة الجامعات ممن لا يوالون جماعة الحوثي، كما حدث قبل أسابيع عندما تم فصل 61 أستاذا جامعيا من جامعة صنعاء”.