تسببت الحرب التي اندلعت في مارس/ آذار 2015، بقتل وجرح الاف المدنيين بحسب مشروع "بيانات اليمن" التابع ليهومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر العام 2019، في بلد يعاني أكثر من 20 مليون إنسان فيه من انعدام الأمن الغذائي، 10 مليون منهم معرضين لخطر المجاعة. هذا الوضع ضاعف الحمل الملقى على عاتق المرأة التي وجدت نفسها معنية بدرجة رئيسية بإيقاف انهيار الحياة من حولها. ومع استمرار الحرب توقف ما يقارب ال 70% من المرافق التابعة للقطاع الخاص (بحسب تقرير الاتحاد العربي للنقابات) وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وفقدت اغلب الموظفات اعمالهن في المؤسسات الخاصة (لتوقف النشاط الصناعي والتجاري) بينما توقف صرف مرتبات موظفي القطاع الحكومي في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، (حسب تقرير منشور في الاتحاد العربي للنقابات بتاريخ 2017/12/9) لم تكن الأستاذة الجامعية تعلم انه سياتي يوم يتوقف فيه راتبها الشهري وأن ذلك سيترافق مع توقف راتب زوجها ايضا ام مختار وهو الاسم الذي اختارته للتعبير عن نفسها تقول : إنها لجأت إلى صناعة البخور والعطور والمرور على المنازل لبيعه للنساء حتى تستطيع توفير لقمة العيش لها ولأطفالها.
تتذكر ام مختار والحزن يملأ عينيها حينما كانت تقف في قاعات الجامعة تقدم محاضرات القانون الخاص وكيف كانت تحظى باحترام طلابها وزملائها وتنظر الى الوضع الذي وصلت اليه وتقول بثقة "لم يعد لموقف الناس من عملي البسيط هذا أهمية في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي مرت بها عائلتي حيث أصبحت الأم والأب، بل انني أجد متعة في عملي الجديد وصرت اجني منه عائدا مناسبا الان". وعن حرفة صناعة البخور والعطور قالت أم مختار انها تعلمت الحرفة بسهولة من الإنترنت ومن خلال بعض النساء اللاتي لجأت إليهن بعد أن فقدت مدخراتها. أسماء نموذج اخر من النساء اليمنيات العاملات التي غيرت الحرب حياتهن سلبا تقول اسماء وهي موظفة بمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بتعز "كنت اعمل في ارشيف مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل وكنت اتمتع بعلاقات ممتازة مع زملائي بالعمل وكانت تجربة عملي جيدة وكنت أحظى بالإشادة من رؤسائي في العمل" وتضيف اسماء "الحرب غيرت حالنا نزحنا من بيوتنا وغادرنا مدينتا ووجدنا صعوبة كبيرة في الايفاء بالمسؤولية خصوصا بعد النزوح إلى قريتنا في ريف محافظة " اب" عانينا كثيرا بسبب شحة الماء وارتفاع سعر الغاز وصعوبة استيعاب ابنائي في المدرسة الوحيدة بقريتنا". لم تكن تلك المشكلة الوحيدة في حياة أسماء واسرتها فللدخل المادي قصته أيضا تقول اسماء شارحة وضعها الجديد "مع توقف المرتبات تغير الحال للأسوأ حيث كان راتبي بالإضافة إلى نصف راتب كان يتسلمه زوجي بعد تقاعده، هو ما تعتمد عليه الاسرة ما جعلنا ندخل في طور اخر من المعاناة حيث وجدنا أنفسنا غير قادرين على دفع ايجارات المنزل التي تراكمت علينا كما لم نتمكن من تسديد تكاليف دراسة ابنائي فلم يكن أمامي غير بيع ما تبقى لدي من حلي واستدانة اموال اخرى للوفاء بالتزاماتي" سببت الالتزامات الناتجة عن الديون مشكلة جديدة دفعت بأسماء للعمل في أحد مولات مدينة اب كمروجة لأحد الشركات براتب خمسون ألف ريال. كما تقول
وتوضح اسماء "لم اكتف بهذا العمل بل شجعت اولادي على العمل مع زوجي في بيع البيض والبطاطا للطلاب أمام المدارس حتى نفي باحتياجاتنا الأسرية" فاطمة محمد خريجة كلية التربية قسم كيمياء العام 2012 م كانت تعمل مدرسة في إحدى المدارس الخاصة بتعز كان الصرف حينها 215 ريال للدولار الواحد وكانت حينها تنفق راتبها على نفسها فقط لأن والدها واخوانها يتكفلون بنفقات الأسرة من خلال عملهم بأحد المحلات التجارية بحي الجمهوري إلا أن المعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة العام 2016 م وسقوط قذيفة على متجر والدها أدت الى مقتل الأب واحد اخوانها بينما أصيب الاخ الثاني إصابة خطيرة أدت تسببت في بتر قدمه. وجدت فاطمة نفسها مسؤولة عن الأسرة دون مأوى هي وأخوها المعاق وبقية أسرتها بعد تدمير منزلهم أيضا في منطقة الجحملية بتعز فنزحوا إلى مدينة اب
تقول فاطمة "اعتمدنا على المساعدات التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي للنازحين وبحثت عن عمل في مدرسة أهلية. الا أنه وخلال العامين الأخيرين وبسبب جائحة كورونا تقلص العام الدراسي ولم نعد نستلم مرتبات كاملة فزادت المعاناة فلجأت للعمل بأحد المطاعم بالمدينة" لم تكن تتوقع فاطمة أنها ستتعايش مع هذا العمل (بسبب نظرة الناس للعاملات في المطاعم) لكنها استطاعت الصمود والتكيف كما تقول "أصبحت منذ أكثر من عام اقضي معظم النهار في العمل وتقديم الخدمات في قسم النساء".
سعاد وهي امرأة في الخمسين من عمرها أم لابنتين نموذج ثالث لما آلت اليه أحوال المرأة العاملة في اليمن في ظل الحرب. عملت سعاد في إحدى المدارس الثانوية بمدينة قعطبة محافظة الضالع ولم تكن تواجهها اية مشكلة في العمل كون نظرة المجتمع للمعلمة إيجابية كما تقول. وصول الحرب الى منطقة قعطبة بمحافظة الضالع العام 2017 م كانت سببا في نزوح سعاد واسرتها الى مدينة الغيضة بمحافظة المهرة تلاها وقبل عامين من الان وفاة زوجها بجلطة دماغية، لتصبح المعيلة الوحيدة لأبنائها.
تقول سعاد" الراتب الذي اتقاضاه لا يغطي حتى تكاليف ايجار المنزل فلجأت للاستفادة من مكينة الخياطة التي تركها زوجي (كان يعمل خياط ملابس رجالية) وتعلمت الخياطة واصبحت اخيط ملابس للنساء والأطفال وابيعها للمحلات وللنساء بشكل مباشر أيضا" تعاطف أصحاب المحال التجارية مع هذه المرأة مكنها من استمرار تسويق منتجاتها لفترة غير ان امراض السكر والضغط باتت تحد أكثر فأكثر من نشاطها في العمل.