إذا أراد المؤرخون أن يكتبوا عن هذه الأعوام اليمنية الغارقة في الفوضى والارتباك والدم، فإن واحداً من التوصيفات هي أن يؤرخوا لزمن الدِّبيب.. والدِّبيب هنا جمع دبة، ولا بأس فإن أصبت كسبت رضا سيبويه في قبره وإن أخطأت فقد سبقني الرعوي البسيط الذي قال بأنه سيترك العمل في مزرعته بسبب غياب الديزل وسيبيع ويشتري في كراتين " المائيز"، وحينها رد عليه آخر بالقول: أكبر عليك، كم لنا نحاول أن نجمع اسم الموز ونفشل وها أنت تجمعه بطريقتك. وقبل التزحلق بقشور الفاكهة المذكورة أعلاه، أسارع بالعودة إلى "الدبيب" وسنينها، وأقول بأن الدبيب صارت في اليمن بشهرة اللجان الشعبية أيام معمر القذافي، حيث "اللجان في كل مكان"، وها هو لسان حالنا يردد: الدبيب في كل مكان. الهاربون من انقطاع الكهرباء إلى المواطير يحملون الدبيب طمعاً في رفع ما توفر من المياه في قاع الخزان.. نسوان صنعاء القديمة- كلمة نسوان لغة عربية- قطعن السائلة بالدبيب، لأن صنعاء التي كانت تحوي كلَّ فنّ، وفي المقدمة الماء والخضرة، صارت تعاني من العطش بسبب وضعها الخاص.. بيوت صنعاء قديمة ومتلاصقة لا تسمح بحفر خزانات أرضية، ولا تحتمل استضافة خزانات في سطوحها.. فضلاً عن أن غياب الديزل حال دون إمكانية الحصول على وايت ماء فقطعت النساء السائلة بالدبيب. الدبيب في كل مكان.. دبيب بأيدي نساء وأطفال يطوبرون في المساجد.. ودبيب في مقدمة طوابير البترول، رغم أن أصحاب المحطات يرفضون تعبئتها بحجة تحولها إلى تجارة، حتى صار على من يريد تعبئة الماطور المنزلي للكهرباء أن يحمل الماطور بقلافده إلى المحطة. الدبيب في كل مكان.. دبة في شنطة السيارة لعل فرصة تهبط من السماء لملئها بالبترول، وضمان دخولك نادي المواطنين الذين يستندون على مخزون استراتيجي يتمثل في دبة للطوارئ.. دبة فارغة أخرى تحسّباً لملئها، لعل وعسى وما برح وما انفك وما سكب.. ودبيب ماء تملأ زوايا الشقة، حيث ترفع نساء العمارة شعار "من الأسرع في شفط محتويات الوايت بعد دقائق من تفريغه في الخزان".. دبيب في كل مكان وبمختلف الأحجام، للبترول الإسعافي، لمواجهة العطش، لتعويض غياب الحمامات الشعبية، ولزيادة دخل عمال النظافة الذين ينبشون أكياس القمامة بحثاً عن الدبيب، تاركين القمامة في الشوارع نهباً للقطط والكلاب والرياح. المجد للدّبَّة..