إن تعقيدات المشهد اليمني الراهن وتداخلات الأبعاد الدولية اللاعبة في اليمن تجعل استشراف الإجابة عن مدى فرص نجاح الرئيس الشرعي هادي في ظل دعم خليجي له في السيطرة على زمام الأمور في البلاد تعتمد على قراءة المعطيات من ثلاث محاور أساسية: الأول: أن اليمن يشهد صراعا سياسيا عبثيا مسلحا بين أطراف سياسية باتت في معظمها تلعب دور الوكالة الدولية كأوراق لأجندات دولية خارجية تتعدى المجال العربي الآمن، لاسيما الحوثيون المرتبطون والمدعومون من محور طهران أو الإخوان المرتبطون والمدعومون من محور أنقرة. الثاني: أن الرئيس هادي كرئيس انتقالي قد وقع من خلال أدائه خلال ثلاث أعوام في العديد من الأخطاء الاستراتيجية التي أتاحت الفرصة لحدوث هذا التوغل غير الطبيعي لمليشيات الحوثي وصولاً إلى العاصمة وحصاره، وبالتالي فهو برغم شرعيته كرئيس للدولة يعد مسؤولاً مباشراً عن حدوث "انقلاب الحوثيين مكتمل الأركان"، على حد تعبيره، ووصول المشهد إلى مغبات ما وصل المشهد السياسي إليه، كما أنه برغم كسره للحصار قد فقد الكثير من الجدارة السياسية التي تجعله رهاناً في إدارة البلاد في المستقبل القريب. الثالث: أن السياسة الأممية التي تكفلت برعاية تسوية الأزمة في اليمن قد مارست هي الأخرى عدداً من الإخفاقات والتجاوزات التي خالفت الأسس المعقولة لهذا الدور ومارست خروقات هائلة في الأرضية التشريعية للمرجعية المعتمدة لإدارة الصراع والمتمثلة بالمبادرة الخليجية الموقع عليها في الرياض 2011م، وبصورة تجاوزت رعاية الدول الخليجية لها. الرابع: يجب الإشارة إلى أوجه قصور تمت من قبل السياسة الخليجية لتنفيذ تلك المبادرة في ظل رعاية السياسة الأممية الخاطئة للأزمة اليمنية، حيث كان هناك بعض من عدم الانتباه الخليجي لسياسات خاطئة ومتعمدة تمت تحت رعاية الأممالمتحدة والأطراف اليمنية المرتبطة بالخارج سعت على قدم وساق نحو تغييب الدور السياسي للمؤسسات الدستورية الضامنة لضبط عقلية الصراع السياسي المسلح بين الإخوان والحوثيين المرتبطين بالخارج كأوراق سياسية لكلٍّ من أنقرةوطهران في البلاد، ولا سيما المؤسسة العسكرية التي تم تغييبها في ظل مطرقة الصراع بين إرهاب القاعدة وعنف الحوثيين! إذاً نحن أمام أبعاد ومستجدات سياسية واقعية جديدة على الميدان، لا تبشر مبدئياً بقدرة الرئيس الشرعي هادي على استعادة زمام الأمور لمجرد وجود التعاطف الشعبي الواسع نسبياً أو وجود الدعم الخليجي الهام والاستراتيجي له دون معالجة الأمور من منابع الإخفاق القائم، فلا تكفي شرعية الرئيس هادي المتساقطة هيبته السياسية في ظل دولة يمنية فقدت بين فوضى الصراع مقومات الضبط الدستوري لحماية شرعيتها واستقلالها وسيادتها وفي ظل الفوضى العابثة بالرأي العام على امتداد 4 أعوام. إن نجاح هادي والسياسة الخليجية في الوضع الجديد ستتزايد فرصه في ظل مؤشرات وطبيعة الدور الخليجي القادم بقيادة صانع القرار السعودي والتي يجب أن يتعاطى من مزالق السنوات الماضية والذي يتطلب إشراك الدولة المصرية في تلك الجهود، بحيث يجب أن تغادر المساعي المستهلكة في إرضاء الأطراف المتصارعة، وأن يحرص ويراهن على إعادة ترسيخ مؤسسات الدولة وضبط الجهات الدستورية المسؤولة عن ضبط الصراع وفي مقدمتها البرلمان والجيش ومن ثم مواصلة المشاورات الختامية بين المتصارعين على أسس واضحة وضمانات، مؤكدة تنتهي عاجلاً بإجراء انتخابات عامة للبلاد تعمل على ترجيح إرادة الشعب اليمني ولاسيما في ظل فقدان الرئيس الشرعي هادي للجدارة السياسية في قيادة البلاد ومؤسساتها الدستورية الأهم. في النهاية أن انهيار الدولة اليمنية لن يكون حدثاً يمنياً ذاتياً بل كارثة يمنية بفعل فاعلين دوليين من خارج المجال العربي الآمن، مما سيجعله منطلق لمخططات تستهدف الأمن الخليجي بضرورة الجغرافيا والتاريخ وبمؤشرات الأطراف الخارجية التي تسعى لذلك في ظل جغرافيا مشتعلة شمالاً وغرباً. عادل الربيعي