على مدى قرون من الزمن، نجد ثلاث هويات تستخدم في مجال الصراعات السياسية في اليمن، هي: الهوية المذهبية، والهوية السلالية، والهوية المناطقية. في الستينيات - مثلا- من القرن الماضي، وعقب قيام ثورة (26 سبتمبر)، ألف (عبد الرحمن البيضاني) كتابا بعنوان (الشوافع شركاء لا توابع)، في محاولة لإذكاء الصراع المذهبي والمناطقي في اليمن الشمالي. وذلك بين أتباع المذهبين السائدين حينه (الزيدي، والشافعي)، أو بين اليمن الأعلى - كما هي التسمية التاريخية- ذات الغالبية الزيدية (صنعاء، وصعدة، وحجة، وذمار، والجوف). واليمن الأسفل ذات الغالبية الشافعية (تعز، وإب، والبيضاء).. ومع استعار الحرب الأهلية حينذاك لمدة سبع سنوات، وتعقيد طبيعة الصراع، وتداخل المصالح والعلاقات الداخلية والخارجية، على نحو يشابه اليوم، إلا أن (عبد الرحمن البيضاني) ومن على شاكلته فشلوا فشلا ذريعا في إشعال الفتنة الطائفية والمناطقية، وخرج الشعب اليمني في الشمال من محنته معافى من الأمراض والعقد المذهبية والمناطقية والسلالية. واليوم، وبعد مضي عامين من العدوان الخارجي والحروب الأهلية، وبعد محاولات مضنية، وجهود مادية وسياسية وإعلامية هائلة تقوم بها السعودية وإيران؛ لجر اليمن إلى مستنقع الصراع الطائفي والمناطقي، نرى فشل جهود هاتين الدولتين اللا أخلاقية واللا إنسانية. وكذلك، فشل محاولات أطراف الصراع السياسي الداخلي، استغلال الهوية المذهبية والمناطقية والسلالية؛ لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسية والعسكرية. في محافظات شمال الشمال (صنعاءوذمار والجوف وعمران وحجة)، نجد أنها ليست حكراً على الزيدية فحسب، فالشوافع والسلف والإخوان لهم حضورهم القوي، في كل مدينة وقرية، ولهم مساجدهم وخطباؤهم وأنصارهم، ويتعايش الجميع حتى الآن بسلام. هذا على المستوى المذهبي، أما على المستوى المناطقي والجغرافي، فأبناء اليمن الأسفل (تعز، وإب) يشكلون النسبة الأكبر لسكان أمانة العاصمة وذمار. ويحتلون المرتبة الأولى في التجارة والتعليم والصحة في محافظاتاليمن الأعلى، ويمارسون أعمالهم وحياتهم بشكل طبيعي، ومن دون أية مضايقات تذكر. وفي المقابل، لا إشكالية ولا حساسية لدى أبناء اليمن الأسفل من استقرار إخوانهم أبناء اليمن الأعلى بين ظهرانيهم، أو تزويجهم، أو ما شابه.. ثمة آمل حتى الآن، وهو فشل أعداء اليمن الخارجيين والداخليين في الانحراف بالصراعات والحروب السياسية، إلى صراعات وحروب مذهبية أو مناطقية أو عرقية، مع وجود محاولات متعددة. أبناء تعز اليوم لا يقاتلون تحت هوية مناطقية، وإلا ما كانوا ذهبوا إلى القتال في جبهة نهم وميدي وصرواح، أي في شمال الشمال. وإلا ما كانوا يقاتلون في كل جبهة مع وضد. وكذلك أبناء (صعدة وحجة وصنعاءوذمار) ما كانوا يقاتلون في كل الجبهات مع وضد. وما كان هناك أكثر من (سبعة آلاف) جندي من أبناء محافظة ذمار - الموسومة تاريخياً بكرسي الزيدية- يقاتلون في صفوف قوى العدوان في مأرب والجوف. أي في صفوف من يزعمون أنهم يحاربون الشيعة والروافض والمجوس.. الصراع حتى الآن سياسي بامتياز، وكذلك الحروب هي تصفيات سياسية إلا أن المحاولات مستمرة وبقوة؛ لاستغلال الهوية الدينية والمناطقية والسلالية هنا وهناك.. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: لماذا تصر النخب السياسية، على الانحراف بطبيعة الصراع من صراع سياسي إلى صراع مذهبي ومناطقي وسلالي؟! ومتى يدرك أصحاب المشاريع الضيقة أنهم بغبائهم ومغامراتهم يقودون اليمن إلى الجحيم. بسبب إصرارهم على استدعاء المذهبية والمناطقية والسلالية. وذلك، بترديد الشعارات المشبوهة، ورفع الألوية الخضراء والسوداء، وإطلاق مسميات طائفية، ككتائب الحسين، والولاية، والغدير. وكتائب الفاروق، وأم المؤمنين؟! لماذا يستدعون الحسين ويزيد من قبورهم، ويقتلون الأبرياء بأسمائهم، وتلك أمة قد خلت؟! ولماذا جعلت هذه النخب من الشعب اليمني ضحية لصراع النفوذ والمشاريع الإقليمية والدولية، مع أن الشعب اليمني لا ناقة له ولا جمل في الصراعات والحروب الدائرة في المنطقة؟! لماذا يقامرون بدم اليمنيين وقوتهم وأرضهم ومستقبلهم؟! بصراحة، ما يزال اليمن حتى الآن معافى من هذه الأمراض الفتاكة. لكننا نشير إلى إن الهوية المناطقية والهوية السلالية تشكلان اليوم فعلاً أخطر الهويات على وحدة المجتمع اليمني.فهل سننجو من هذه الآفات؟! نأمل ذلك.