عرفت الشاعر عثمان أبو ماهر مبكراً، فقد رنَّ أسمه في أذني وأنا في قريتي لما أزل صغيراً، حين زارها بمعية الفنان أيوب طارش في رحلة جمع التراث والألحان، وقد قرأت له فيما بعد أثراً إبداعياً ليشيد بالمنطقة وما تركته في وجدانه، كما في نص (وادي طهنة). لم ألتقِ بالشاعر عثمان، ولكني ارتبطتُ بما كتبه من خلال صوت أيوب طارش الذي حملنا صوته إلى عوالم متعددة حضارية، وعاطفية، ووطنية، ورفرفت بنا بين المروج الخضراء وطاف بالمهاجل والمهايد ليبدع "معينة الزُّرَّاع"، والكثير مما أبدعه الشاعر من خلال تفاعله مع الوجدان الشعبي وتعذَّر على أيوب طارش إخراجه، حسب تصريح أيوب لبعض وسائل الإعلام. عثمان أبو ماهر كشاعر كان أكثر وجداناً إلى الأغنية من حيث الشاعرية والبناء، فحين تقرأه في قصائده الأخرى لا تجده بذات التأثير والمقاييس الفنية التي يكتب بها قصائده الغنائية، لذلك فتجربته الفنية مع أيوب طارش ربما كانت أبرز ملامحه الفنية والموضوعية والإبداعية. ما يميز عثمان أبو ماهر هو تفانيه في التوحُّد مع التربة اليمنية وإخلاصه للقضية الثورية واستغراقه إلى حد التماهي في البعد الحضاري اليمني، كما نلمح ذلك في كثير من قصائده، لعل أبرزها (شني المطر يا سحابة) التي غناها أيوب طارش وظلَّت ردحاً من الزمن وهي تتداخل مع الحس الشعبي من خلال بثها من التلفاز. وثمة نصوص أنشدها أيوب ما زالت تحضر كلما مرَّت ذكرى الثورة اليمنية أو حضر الحس الثوري الشعبي، فالوطن الذي أخلص له رواد الجيل الثوري الأول هو نفسه، ولذلك كان أيوب في نشيده الوطني هو القاسم المشترك بين ساحات التحرير والجامعة. زبدة القول بأن عثمان أبو ماهر غادرنا في صمت، عدا بعض كلمات التوديع من هنا أو هناك، وغادرنا المرشدي في ظلِّ صمت مريب من كل المؤسسات، وكأن كلَّ ثمار الشجرة اليمنية اليانعة تتساقط دون أن تلتقطها سلال الأجيال المتعاقبة بالعناية والرعاية. ما الذي يحدث في هذا الوطن؟ سؤال يطرق أذهاننا ولم نزل في طور الدهشة لا نجد له جوابا.