ربما لم تكن فترة المدّ العثماني على اليمن بالكافية إلى الحدّ الذي يصلُنا معه التأثير بكل اعتقاداته الاجتماعية وبنفس القوة التي وصل فيها إلى صميم ثقافة دول أخرى مثل مصر وسوريا على سبيل المثال، فنرى في ثقافاتهم الاجتماعية التأثير العثماني واضحاً، فقد كانوا أكثر اهتماماً بالشخصية الرجولية القوية والمسيطرة أو المستبدة، فأتت فكرة الاهتمام بالشنب متممة ومعزِّزة لمعالم تلك الأفكار الممتدة في الأصل من السمات التاريخية الأصيلة لمعالم الرجولة العربية، والارتباط "بالشنب" يُعدُ تقديراً للقيمة العظيمة التي يضفيها على الرجل وفي هيئة تصبغه بالخشونة المطلوبة، فنراهم يحلفون بحياته "وحياة شواربي!" على اعتبار اقتران وجوده بوجودهم وحياته بحياتهم! أو كما نرسمه "كاريكاتورياً" في ذاكرتنا الجمعية "طويل جداً، وملتف نحو الأعلى عند نهاياته" وربما تحطُّ فوقه الطيور اعتقاداً منها أنه غصن لشجرة! أو حتى ليصبح مرتعاً خصباً تتوالد فيه الفطريات والطفيليات..! والمعيار لرجولتك "شنبك" إن صنته صنت رجولتك، وإن خنته خنتها!، كل هذا وأكثر مبررات وهمية غلفتنا "بقراطيس السوبرمان" و"سي السيد" معاني فارغة لا ناقة ولا جمل لمعنى الرجولة بها، فالمسئولية "شنب" وعدم المسئولية "شنب"، الشخصية القوية "شنب" والشخصية التافهة "شنب"، الأخلاق النبيلة والاحترام "شنب" وقلة الحياء وعدم الذوق"شنب"، تعبئات لا مبرر ولا مرجعية عربية أصيلة لها وعلى الأرجح لم تكن جذورها تنتمي في صميمها لثقافتنا... وكما نرى أيضاً أنه في المنظور الاجتماعي الدارج أن تكون ذا شنب هو "الحالة السائدة" مما يعطيك شعوراً بالرجولة، وتصبح مألوفاً داخل مجتمعك "والحالة المتنحية" أن تكون بلا شنب مما يجعلك نشازاً ويخلق مع المحيطين بك شعوراً بالنفور العام من شكلك! أو ربما "بالدونية" على أساس نقصانك عاملا أساسيا مكمَّلا لمعاني رجولتك! وشبابنا وبحكم "الموضة" أو بحكم "التمرُّد" يتخلصون من شنباتهم لأنها أصبحت تحمل عبئاً أكثر مما يستطيعون احتماله، إنهم مرفهون أو مقلدون للرفاهية دون تطبيق واقعي، ماذا يريدون؟! وما هو السبب الذي قادهم للتخلص من مسؤوليات "شنباتهم"؟! وما هو الذي يدرونه عن رجولتهم أساساً؟! وإذا كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!! ربما الانقياد الأعمى، أو الانطلاق بسرعة الصاروخ نحو اللاشيء، ومن ثم إلقاء كل الأعباء خلف ظهورهم، أهذا ما يدركونه عن دورهم في الحياة!! أم هذا هو حالٌ مُسلَّم به على أية حال.. أو كما قال الشاعر أحمد مطر: بعد أن طارده الكلبُ وأضناه التعب وقف القطُّ على الحائط مفتول الشنب قال للفأرة: أجدادي أسودٌ!! قالت الفأرة: هل أنتم عرب؟!