تظلُّ الأوضاع في اليمن من أسوأ الازمات التي يشهدها العالم، ومع ذلك، يتناقص الدعم المالي المخصص لتمويل عمليات الإغاثة فيه. ومع أنَّ أمل السلام يلوح في البلاد، إلا أن المنظمات الإنسانية قلقة بشأن تبعات نقص التمويل. انتهت عملية تبادل 900 أسير كانت قد بدأت يوم الجمعة 14 أبريل الجاري بين طرفي النزاع الذي تحوَّل إلى حرب أهلية طاحنة في اليمن. وجاءت عملية تبادل الأسرى بعد جولة محادثات دارت الأسبوع الماضي في صنعاء بين مسؤولين سعوديين ويمنيين لإنهاء المعارك. ومع أنَّ هذه الخطوات تبدو واعدة، إلا أنَّها لن تؤدِّي إلى الإنهاء الفوري للأزمة الإنسانية في البلاد التي ينضب تمويل معالجتها.
ويعلِّق يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من أوسلو مقراً لها، قائلاً: "سيتعيَّن على عُمَّال الإغاثة أن يحددوا أي المخيمات سيتم إمدادها بالمعونات الغذائية وأيها لا، وأي الأُسر سيتم إيواءها في ملاجئ، وأيها ستعود أدراجها". وذلك لأن نقص التمويل المُخصص لعمليات المجلس النرويجي للاجئين سيضع فريق عمله الميداني أمام خيارات صعبة. ويضيف إيغلاند "ما نزال ندير عملياتنا بما تبقى من المال الذي حصلنا عليه العام الماضي، ولكن الموارد الآن تكاد تنضب".
ويشهد اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. إذ تُقدِّر منظمة الأممالمتحدة أنَّ حوالي 21.6 مليوناً من سكَّان البلاد، أي ما يزيد على ثلثي التعداد السكَّاني فيها، بحاجة إلى مساعدات إنسانية لتلبية الاحتياجات الأساسية كالغذاء والرعاية الصحية والتعليم.
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، الذي يُدير واحدةً من أكبر عملياته في اليمن، فإنَّ 17 مليون يمنيّ يُعاني من انعدام الأمن الغذائي، وأنَّ 6 ملايين من سكَّان البلاد على حافة المجاعة.
وكانت منظمات الإغاثة قد تمكَّنت، حتَّى وقت قريب، من جمع التمويل الكافي لمساعدة غالبية اليمنيين الذين هم بحاجة إلى مثل هذه المساعدات. وفي الفترة بين 2017 و2019، تمَّ تمويل 81% من خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن، التي تجري بتنسيق من الأممالمتحدة - هذا مع أنَّ الميزانية المطلوبة ارتفعت خلال الفترة ذاتها من 2.3 مليار إلى 4.2 مليار دولار أمريكي. ولكن، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، انخفض التمويل بنسبة 58% في المتوسط.
وفي فبراير الجاري، في اجتماع لإعلان التمويل عُقد في جنيف، أعربت الأممالمتحدة عن أملها بجمع 4.3 مليار دولار أمريكي هذا العام لتمويل عمليات الإغاثة في اليمن. إلا أنَّ جهات المجتمع الدولي المانحة تعهَّدت بتبرعات بلغت 1.2 مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ لن يكفي لتمويل عمليات الإغاثة لهذا العام.
أملٌ بالسلام
ويأتي نقص التمويل في توقيت لا يُمكن وصفه بالجيد بالنسبة لليمن. فمنذ عام 2014، تغرق البلاد في حرب أهلية ضارية بين فصائل الحوثيين، المدعومين من إيران، والقوات الحكومية المُعترف بها عالميًّا، والمدعومة من تحالف تقوده المملكة العربية السعودية. وتُقدِّر منظمة الأممالمتحدة أنَّ الحرب في اليمن قد أودت بحياة أكثر من 377 ألف رابط خارجي شخص، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وشرَّدت أكثر من 4.5 مليون شخص.
ولكن المحادثات الجارية بين الحوثيين والمسؤولين السعوديين، بوساطة عُمانية، زادت الأمل بوضع نهاية للصراع الدائر، في الوقت الذي أعلنت فيه الوفود عن مفاوضات لوقف إطلاق النار.
وكان هانس غروندبرغ، مبعوث الأممالمتحدة الخاص لليمن، قد وصف يوم الأحد الماضي المفاوضات الجارية بأنَّها "تجعل اليمن أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق السلام الدائم".
وكانت المفاوضات قد حققت تقدماً في مارس بعد أن اتفق الطرفان السعودي والإيراني - اللذان يخوضان حرباً بالوكالة في اليمن - على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، في إطار صفقة توسَّطت فيها الصين.
وفي وقت لاحق من مارس، توصَّلت الأطراف المتحاربة في اليمن إلى اتفاق لتبادل 887 أسيراً، بعد محادثات جرت في جنيف برعاية الأممالمتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ونُفِّذ اتفاق تبادل الأسرى، الذي يُعدُّ الأكبر من نوعه منذ عام 2020، على مدار ثلاثة أيام. وبموجب الاتفاق، أطلق الحوثيون سراح 181 أسيراً مقابل إخلاء سبيل 706 حوثيَّا تحتجزهم القوات الحكومية اليمنية.
ومع أنَّ هذا الاتفاق يُمكن وصفه كمبادرة لتعزيز الثقة، يبقى من غير الواضح إن كان خطوة تُمهِّد الطريق أمام مشاركة شاملة من جميع الأطراف لحلِّ النزاع بالسبل السياسية والدبلوماسية.
وأعرب فابريسيو كاربوني، مدير عمليات الشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن أمله بأنَّ "حسن النية الذي أبدته الأطراف المتنازعة تجاه أبرز القضايا الإنسانية سيُساعد على إرساء بيئة تسمح بالتشاور بشأن قضايا أكثر تعقيداً".
ويؤكِّد إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي اللاجئين، بأن الوقت غير مناسب لوقف الدعم الموجَّه للشعب اليمني.
تقليل الاعتماد على المساعدات
يصف إيغلاند بوادر حسن النية بأنَّها: "فرصة ذهبية لإنهاء الاعتماد على المساعدات والاحتياجات اللامحدودة الناجمة عن الحرب، ليس فقط لأنها تجلب فرصة لوقف إطلاق النار، بل لأنها قد تؤدي أيضاً إلى الاستقرار السياسي". ويُبدي إيغلاند قلقاً من عواقب وقف التمويل، ويقول إنَّه "قد يؤدي إلى أحد أمرين: أولهما العودة مرَّة أخرى إلى وضع يودي بحياة الكثيرين، والثاني أن تبدأ الحرب من جديد".
وقف المساعدات مدعاة للقلق أيضاً في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ففي عام 2022 ولأول مرَّة منذ 11 عاماً، شهدت اللجنة الدولية نقصاً في التمويل اللازم لتنفيذ عملياتها في اليمن.
والجدير بالذكر أنَّ المنظمة تعمل في مناطق في اليمن تفاقمت فيها تداعيات القتال بشكل أكبر من غيرها ولا يُمكن للمنظمات الإنسانية الأخرى الوصول إليها. وفي مثل هذه الأوضاع الأمنية الصعبة وسبل الوصول الوعرة، فإن خفض التمويل قد يُهدد قدرة منظمات الإغاثة على تنفيذ أعمالها.
ويقول كربوني: "إنَّ قبولنا في مثل هذه البيئة مقترن بأهمية الخدمات التي نقدمها. وإذا بدأنا بأجراء مفاضلات، فإن دورنا سيكون على المحكِّ... وهذه المفاضلات لا تتعلَّق بكماليات. إذ تبلغ ميزانية عمليات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في اليمن 181 مليون فرنك سويسري (204 ملايين دولار أمريكي)، وتفوق ميزانية اللجنة الدولية للصليب الأحمر 100 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار أمريكي)، ولكن إذا نظرنا إلى الاحتياجات، فإن هناك مجال واسع لمضاعفة الميزانية".
أزمات لا أزمة واحدة
يرى كربوني، من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أنَّ التطوُّرات السياسية الأخيرة لن تؤدي إلى نقصٍ في المساعدات المقدَّمة إلى اليمن. ويرى أنَّ الجهات المانحة تدرك أنَّ المفاوضات الجارية ليست إلا بصيص أمل، وأنَّ الاحتياجات الإنسانية لن تنتهي حال توقُّف القتال. ويقول: "اعتقد أنَّ انخفاض التمويل مرتبط باتجاه مخيف تطوَّر على مدى السنوات الأخيرة، وهو تضاعف الأزمات".
فالنزاعات التي طال أمدها وتغير المناخ وتوابع جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، جميعها عوامل ساهمت في تفاقم الأزمات القديمة وخلق أزمات جديدة، وبالتالي استنزفت ميزانيات الدول المانحة.
وفي غياب السلام، تظلُّ الإغاثات الإنسانية الخطَّ الفاصل بين الحياة والموت. ووفقاً لكربوني فإنَّ "المساعدات الإنسانية مهما طالت لن تكون حلًّا جذرياً للمشاكل في اليمن. لن نتمكن أبداً من وضع حل مستدام لمشاكل الجفاف أو الصحة أو انعدام الأمن الغذائي في اليمن. فهذه ليست مهمة المنظمات الإنسانية، بل هي مهمة السياسيين".