ما بين المطامع والمطامح احتل الاستعمار البريطاني مدينة عدن حيث بسط سيطرته ونفوذه عليها حوالي ال(129) عام بهدف أن يجعلها محطة تعمل على تمويل سفنه بالوقود وجعلها قاعدة عسكرية تهيمن على المنطقة العربية ككل. وما بين الهدف النبيل واللحظة الصادقة المتجسدة في طلب الحرية من قبل الشعب قامت الثورة للتخلص من هذا المستعمر. وما بين الصراع والنضال والثمن الذي دفعه المناضلون لنيل الحرية المغتصبة تحقق الهدف في التخلص من براثن الاستعمار والبدء في حياة جديدة. وما بين الماضي الذي كان بلا هوية والحاضر الذي لا يزال يبحث عن هويته إلى المستقبل المبشر بالكثير من المتغيرات تبقى مدينة الجنوب عدن هي منبع الحضارات التاريخية العريقة. من هنا كانت البداية من انطلاقة الثورة الرافضة لوضع تحملته أعوام تلو أعوام حتى جاء اليوم الذي قال فيه الشعب كلمته ألا وهي لا للاستعمار الغاشم على أرضنا.. فقبل الثورة كانت حياتنا سلسلة مفخخة من الهزائم والانكسارات المتتالية التي عجزنا عن تخطيها. وجميعنا يعلم جيداً بأن ثورة الرابع عشر من أكتوبر انتصرت لأنها حملت العنف والقوة والإرادة أسلوباً في نضالها فعجز الاستعمار عن ردعها وقهرها. فقد كان عام 1839م عاماً لا يمكن نسيانه وهو العام الذي تم فيه احتلال مدينة عدن بالقوة الاستعمارية أما 1963م عام لا ينساه اليمنيون خاصة في الجنوب فهو عام بداية الثورة المجيدة ثورة الرابع عشر من أكتوبر التي استطاعت أن تعبر عن طموحات وأهداف الشعب بفضل عنفها المدمر ضد نفس القوة الاستعمارية الغاشمة، ناسفة بذلك قوانين المستعمر الجائرة التي انطلقت شرارتها من مدينة عدن حيث كان العام الذي يسبقها في 1962م انطلاقة ثورة الشمال للتخلص من براثن الظلم والاستبداد الممارس ضدهم من قبل الحكم الإمامي الجائر لتكمل ثورة أكتوبر في الجنوب ما بدأته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لتحرير شطر الشمال وتطهيره من حكم الإمامة وينتهي كل الظلم والقهر والمعاناة في يوم الاستقلال في ال30 من نوفمبر من عام 1967م. اليوم ونحن نستعيد ذكرى الاحتلال البريطاني يجدر بنا أن نقف أمام الثورة التي كانت امتداد لمقاومة الشعب الذي قادها ضد الاستعمار. فثورة (14 أكتوبر) أثبتت أن شعبنا أنطلق في نضاله المسلح ليصحح الأوضاع التي أوجدها الاستعمار ليبني عليها مجتمعاً واع يبدأ من جديد نحو التقدم والبناء. (إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر) وبالثورة التي تحققت وانتصر فيها شعبنا وبخروج المستعمر من أرضنا نكون قد حققنا الحلم في جعل القدر يستجيب لنا ونحيا من جديد بلا قيود بلا ظلم بلا استبداد وبلا استعمار.. فليهنئ الشعب بهذا الإنجاز العظيم الذي سيظل محفوراً لقرون عديدة تتحاكى به الأجيال وتتخذه سبيلاً في تحقيق الانتصار والحرية. (ف 14 أكتوبر) ثورة جسدت تاريخها بيدها وتاريخ لن تنساه الدولة التي لا تغيب عنها الشمس. وها هنا نحن اليوم نستعيد ذكرى الاحتفال ممزوجة باحتفال آخر يقدمه شعبنا وهو التخلص من آثار ومخلفات حرب أخرى مورست عليه خلال هذا العام وانتصر فيها بفضل أبطال قدموا أرواحهم فداء للأرض والوطن وبذلك يكون الجنوب المتمثل بمدينة (عدن) قد حقق حريته في الماضي والحاضر وتبقى له أن يترقب للمستقبل القادم بعيداً عن أي قيود تحكمه، ومن حقه أخيراً أن يحدد مصيره ويستعيد هويته التي سلبت لعقود وأعوام سابقة.