وسط أحد شوارع مديرية المنصورة يقود كل صباح طفل في ال 10 من عمره مجموعة من الصبية يطلقون على أنفسهم "عصابة القراصنة" ويمرون بعدد من شوارع المديرية وهم يحملون أعصية خشبية قاموا بتشكيلها على شكل بنادق . يقول الطفل غسان وهو إسم الطفل الذي يقود عصابة الأطفال المفترضة أن لعبة القتال التي يلعبونها كل صباح وأوقات كثيرة ليلاً باتت من أفضل الألعاب التي يمارسونها .
يحمل غسان عصى خشبية شُكلت على شكل بندقية وتشبهها إلى حد كبير ، وكتب عليها كلمة "ارحل" وهي كلمة دأب محتجون مناوئون لنظام الرئيس صالح على ترديدها خلال التظاهرات التي شهدتها عدن مؤخراً ، والتي سقط فيها العشرات من القتلى برصاص قوات أمن يمنية .
يقول غسان وأصدقائه بأنهم قبل أشهر من اليوم كانوا يمارسون عدداً من الألعاب بينها كرة القدم وألعاب شعبية أخرى مثل غميضان لكنهم مؤخراً هجروا كل هذه الألعاب .
يسكن غسان وأصدقائه بالقرب من ساحة احتجاجات مركزية بمدينة عدن هي ساحة الشهداء بالمنصورة ، حيث سقط أول ضحايا الإحتجاجات في المدينة برصاص قوات الجيش اليمنية .
تسببت الأوضاع السياسية في عدن والإضطرابات التي حدثت في عدن في عدم تمكن غسان ورفاقه من مواصلة الدراسة .
يقول غسان ل"عدن الغد" في إحدى الأيام كنت ذاهب إلى المدرسة ، وفي الطريق شاهدت عدد من الجنود يطلقون النار على متظاهرين ودبابات تقطع الطريق ، عدنا مرعوبين إلى منازلنا ويومها قررنا أن ننشىء عصابتنا ونبدأ لعبة إطلاق النار.
تتمحور لعبة إطلاق النار التي باتت مجموعة غسان الصغيرة في الهجوم على أطفال الحارة المجاورة بعد أن كان فرقة غسان تمثل فريق كرة قدم يمارس اللعبة عصر كل يوم مع أطفال الحارات الأخرى .
يرى د. سمير عبد الرحمن الشميري وهو أستاذ علم الإجتماع بكلية التربية جامعة عدن إن ما يمارسه الأطفال هو تحصيل حاصل للأحداث الدائرة في عدن موضحاً أن سيل الأحداث السياسية وأعمال العنف أثرت تأثيراً كبيراً على مخيلات الأطفال في المدينة .
ويتحدث الرجل إلى "عدن الغد" مؤكداً أن الأطفال هم جزء من الواقع المعاش ، وأن الأحداث اليومية سواء كانت سلبية أو ايجابية لابد لها أن تؤثر على الأطفال.
ويقول الشميري :" أعتقد أن الأسباب التي دفعت بالأطفال إلى ممارسة مثل هذه الألعاب هو الوضع العام في عدن فالأطفال جزء من هذا الواقع ، فمشاهد القتل والدمار وأعمال العنف بالتأكيد أنها لن يكون لها إلا تأثير سلبي على الأطفال كونهم أصبحوا جزء من هذا الواقع ويتلقون كل الأحداث فيه مباشرة".
ويضيف:" إضافة إلى الواقع المعاش فالطفل يتلقى سيل واسع من المعلومات هذه الأيام وكل هذه المعلومات تؤثر بشكل سلبي هناك المعلومات التي يتلقها الأطفال عبر الفضائيات ، وكلها تتمحور حول شيء واحد العنف وأعمال القتل والأحداث الدائرة في البلد ، إضافة إلى الحديث العائلي والذي يدور غالباً هذه الأيام حول شيء واحد وهو الأحداث وأعمال العنف.
يرى د. الشميري أن الحل يكمن في محاولة إبعاد الأطفال عن مصادر الأحداث قدر الإمكان ، ويرى في ذلك أنه تقع على الأسرة مسئولية كبرى تتمثل في تقليل مصادر الأحداث الواردة إلى مخيلات الأطفال عبر ترشيد استخدام التلفزيون و إبعادهم عن الأحداث اليومية التي تتضمن مظاهر مسلحة.
توافق الناشطة الحقوقية لينا الحسني د. الشميري الرأي ، وتقول في حديث ل"عدن الغد" إن الأحداث التي مرت بها عدن تركت أثار عميقة في نفوس ووجدان الأطفال ، لذا فإن كل الأحداث طغت بشكل كبير على سلوكياتهم وأنعكس ذلك على مجمل الألعاب التي يلعبونها.
وتقول:" يمكن القول بأن الأحداث كانت عنيفة للغاية والكثير من المظاهر التي صاحبت الأحداث كانت مظاهر غير ايجابية مطلقاً خذلك مثال بسيط أصبح السلاح هو الأكثر استخداماً خلال حفلات الأعراس في عدن وهذا ما كرس في مخيلات الأطفال بأنه شيء ايجابي ، لذا تجدهم صباحاً يقلدون مايرونه ليلاً.
ترى الحسني وهي ناشطة حقوقية إن مثل هذه السلوكيات إنما هي إنتهاكات لحقوق الطفل الذي ترى بأنه يجب أن يعيش في حياة آمنة ومستقرة تضمن له نقاء فكري وسلوكي وتحمل في المقام الأول الأسرة مسئولية توجيه حياة أطفالها ، وترى أن المجتمع أيضاٍ يتحمل مسئولية إضافية أيضاً .
الكاتب الصحفي نجيب يابلي قال ل"عدن الغد" إن الكثير من المظاهر طغت على حياة الأطفال في عدن والكثير من المدن اليمنية الأخرى .
استشهد يابلي باستطلاع صحفي قرأه قبل أسابيع بصحيفة الرشد الصادرة من حضرموت عن ازدياد ظاهرة الألعاب المسلحة التي يمارسها الأطفال بغيل باوزير ، وهي المدينة التي وصفها يابلي بأنها مدينة الحب والسلام إلا أن الأحداث الأخيرة أوصلت إليها ظواهر غريبة عنها.
يرى يابلي أن الحل لمواجهة مثل هذه الأمور هو تعزيز قيم النضال السلمية والتعبير والاحتجاج الراقي بعيداً عن أعمال العنف والقوة المسلحة .
أرى أنا كاتب التقرير هذا أن الآلاف حينما خرجت إلى الشوارع في عموم اليمن ، وهتفت بصوت واحد "الشعب يريد إسقاط النظام" كان الهدف من ذلك هو نزع كل البنادق المغروسة في قلب هذا الوطن لا أن يحمل غسان ورفقته بنادق خشبية قد تتحول يوماً ما إلى بنادق حقيقية ، لذلك فإن الأمل لايزال كبيراً بأن يحمل "غسان" قلم وعلبة ألوان يرسم بها ملامح جميلة لوطن الحرية القادم.