يقال ان ابليس 'لعنه الله' لم يندم على ما اقترفه من ذنب وعصيان بحق خالقه وشرك وجحود، بل انه علاوة على ذلك، توعد عباده لأن يغويهم ويظلهم عن الطريق، انتقاما للفضل الذي منحه الله لغيره من خلقه وأمره بالسجود له، ليجسد بذلك ابليس ابشع الصور في التاريخ لمخلوق لم يندم على ما اقترفه بحق مولاه وربه. فيما عض ابونا ادم اصابع الندم وتاب لله توبة نصوحة، مستغفرا عن ذنبه، معلنا خضوعه، واستسلامه لأمر الله وحكمه، ومع ان اخراجه له من الجنة لم يكن بالأمر الهين، فضل يدعو ربه ويستغفره حتى قبل توبته، ولازال يتقرب اليه بالصالحات في الحياة الدنيا التي هبط اليها، راجيا من الله سبحانه وتعالى ان يدخله اليها مرة أخرى.
فالندم غريزة بشرية، وجدت منذ وجد الإنسان على هذه الحياة، ويأخذ ذلك الندم صورا، واشكالا، شتي، تختلف با اختلاف الزمان، والمكان، فمثلا في زماننا هذا، تجد ندم الإنسان على وفاءه، واخلاصه لشخص ما شكلا من أشكال الندم، وندمه كذلك على احترام شخص اخر، شكلا آخر من اشكال الندم، خصوصا اذا كان ذلك الشخص لا يستحق حتى ذرة من إحترام.
نعم فلم يعد الندم اليوم؛ هو ذلك الإحساس بالذنب، لأن الذنب في هذه الحياة بالذات واقع لا محالة، والخطأ فيها وارد.. ومن لا يغفر للآخرين اخطاءهم، لا يغفر له.. بل انه احيانا يتجرع الإنسان من نفس الكأس وفي نفس الوقت.. ولعل سبب ذلك يعود الى اننا نعيش في زمن اختلفت فيه كل المتغيرات، لتحل الفوضى محل الكثير من القيم والعادات السلوكية الراسخة.
فلقد تحاول ان تسبح على عكس تيارك الذي وجدت فيه، لعلك في الاتجاه الآخر تجد شيئ من السلام، الا ان تيار البحر يرغمك على الإبحار في اتجاهه، وقد تستسلم له احيانا بحكم الضغوط النفسية التي بداخلك، وكل هذه الضوضاء من حولك.. وعندها لا ندم.. فالندم حسبت ما اشرت إليه مسبقا لم يعد لاقتراف ذنب، بل انما هو للعكس.
الجدير بالذكر الى ان الندم لم يتغير حتى وان اختلفت اشكاله وصوره اليوم، فنحن من تغيرنا ولم نعد نحتمل بعضنا البعض.. فتحنا مسامعنا للحاقدين، وسارعنا في اعداد المخططات لقتل بعضنا البعض، وسفك دمائنا.. بلا سبب.. الا لاحقاد دفينة، وحسابات خاطئة، وشكوكا في غير محلها، وحقائق لا أساس لها من الصحة.
واخيرا.. قبل ان نتربص لبعضنا البعض، وننتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على انفسنا.. دعونا نتسأل؛ لما لا نغفر لبعضنا؟؟ وننسى كل هذه الاحقاد،؟ التي ما كان لها ان تنمو وتزدهر الا في صدور الأعداء.. ونحن لسنا كذلك.. وتذكروا قوله تعالى "انما المؤمنون اخوة، فاصلحوا بين اخويكم" ودمتم ودامت اليمن بالف الف خير.