كنت أبحث في المواقع لأجد في الأجور للمغتربين حتى نسلي عليهم بما يعانوه من غربتهم عن الأوطان وكذا غربتهم بين أهل الدنيا الفانية فلم أجد أفضل مما كتب الإمام / ابن القيم في كتابه : " الغربة و الاغتراب" بتحقيق الشيخ / علي حسن عبدالحميد فأخذت منه هذا الموضوع الشيق والمتنفس للمغترب وما يعانيه سواءا في الغربة عن الوطن أو غربته بين أهل الدنيا المنغمسين بحرامها ومأسيها .. قال الله تعالى :" فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم " (هود 116)
- الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية و هم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه و سلم في قوله : بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء " ، قيل : و من الغرباء يا رسول الله؟ قال: " الذين يُصلحون إذا فسد الناس " ، و في رواية : " الذين يزيدون إذا نقص الناس" معناه الذين يزيدون خيرا و إيمانا و تقى إذا نقص الناس من ذلك ، و في رواية ": إنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء " ، قيل : و من الغرباء يا رسول الله ؟ قال :"النزاع من القبائل" قال البغوي : حديث صحيح ، و معناه : المهاجرون الذين هاجروا أوطانهم في الله و في حديث عبد الله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم و نحن عنده :" طوبى للغرباء" ، قيل : و من الغرباء يا رسول الله؟ قال : "ناس صالحون قليل في ناس كثير من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم" (صحيح)
- الداعون إلى السنة الصابرون على أذى المخالفين هم أشدّ الناس غربة
- الغربة ثلاثة أنواع :
1) غربة أهل الله و أهل سنة رسوله صلى الله عليه و سلم بين هذا الخلق و هي الغربة الممدوحة و هذه الغربة لا وحشة على صاحبها و من هؤلاء الغرباء من ذكرهم أنس في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم: " رُبّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يٌؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه " ، قال الحسن :" المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها و لا ينافس في عزّها ، للناس حال و له حال، الناس منه في راحة، و هو من نفسه في تعب " و من صفات هؤلاء الغرباء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه و سلم التمسك بالسنة إذا رغب عن الناس و ترك ما أحدثوه و إن كان هو المعروف عندهم و تجريد التوحيد و إن أنكر ذلك أكثر الناس و ترك الانتساب إلى أحد غير الله و رسوله ، لا شيخ و لا طريقة و لا مذهب و لا طائفة بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية و إلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده و هؤلاء هم القابضون على الجمر حقا ، و أكثر الناس لائم لهم ، فلغربتهم بين الخلق يعدونهم أهل شذوذ و بدعة و مفارقة للسواد الأعظم -كيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين و سبعين فرقة؟؟ - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ": مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه و رأيت أمرا لا يدلك به ، فعليك بخاصة نفسك ، و إياك و عوامهم ، فإنّ وراءكم صبرٌ الصابر فيهن كالقابض على الجمر ( صحيح) - جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة - في سنن الترمذي و أبي داود من حديث أبي ثعلبة الخُشني قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية :" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " فقال:" بل ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك و دع عنك العوام فإنّ من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبضٍِِ على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " ، قلت: يا رسول الله ، أجر خمسين منهم؟ قال :"بل أجر خمسين منكم " (حديث صحيح)
2) النوع الثاني من الغربة : غربة مذمومة و هي غربة أهل الباطل :رغم كثرتهم فهم يُعرفون في أهل الأرض و يخون على أهل السماء
3) النوع الثالث : غربة مشتركة : لا تحمد و لا تذم و هي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء إذ ليست مستقر لأحد قال النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمر : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "
- الاغتراب على ثلاث درجات :
1) الاغتراب عن الأوطان : و يقاس له في قبره من مدفنه إلى وطنه : عن عبد الله بن عمرو قال : توفي رجل بالمدينة - ممن ولد بالمدينة - فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : يا ليته مات في غير مولده ، فقال رجل : و لم يا رسول الله ؟ فقال : إن الرجل إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة ، صححه ابن حبان و حسنه الألباني
2) غربة الحال : و هذا من الغرباء الذين طوبى لهم و هو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين أو عالم بين قوم جاهلين أو صديق بين قوم منافقين
3) غربة الهمة : و هي غربة طلب الحق و هي غربة العارف ، و غربة العارف هي غربة الغربة لأنه غريب الدنيا و الآخرة و هذه الدرجة أعلى مما قبلها : لأن الأولى غربة بالأبدان ، و الثانية : غربة بالأفعال و بالأحوال ، و الثالثة غربة بالهمم ، فهو غريب في أبناء الآخرة فضلا عن أبناء الدنيا
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك