كثير ما نسمع ان هناك أنظمة حكم سلكت طريق التصحيح للمسار الذي كانت تسلكه او المسار الذي اختارته او تغيير لمنظومة الأهداف والمبادئ والقيم التي أسست عليها كيانها او وجوده ابتداء . في الغالب الخطوة التصحيحية هي التراجع عن الطريق السابق والاعتراف ضمنيا بفشل النهج الذي كان متبع سابقا لكن باسلوب الخداع مجددا تحت ذريعة التطوير او التحديث ، كل الأنظمة التي اتخذت قرار تصحيح المسار كانت قد وصلت الى طريق مسدود ولم يكن بوسعها الاستمرار فيه بل استشعرت وصولها الى فاصل النهاية ، فاتخذت قرار تصحيح المسار مكرهة لأنها أمام خيارين إما النهاية الحتمية او الاعتراف بالفشل ولكن بالطبع قد لا ترغب منظومة الحكم غالبا في هذه ولا تلك ، اي بزوال مركزها او الاعتراف بالفشل لذلك تسلك طريق تصحيح المسار الذي يخفي خلفه إعادة إنتاجها لنفسها باسلوب مخادع للجماهير تظهر فيه إنها بهذه الخطوة كانت تعمل من اجل حرية و رفاهية الشعب والتقدم وهي تقصد من وراء ذلك بقاءها على قيد الحياة بأسلوبها الجديد المخادع الذي يضع عنوان عريض للمرحلة الجديدة يحمل الكثير من البشارة بمستقبل جميل ومختلف تماما عن الماضي كتلك الشعارات التي ترفع عند تأسيس او قيام ألدولة او تلك ألمسماه مصفوفة الأهداف والمبادئ ... اغلب الدول او الأنظمة التي اتخذت قرار تصحيح المسار لم تسلم من النهاية المأساوية الحتمية وهي السقوط لأنها خدعت شعوبها بالوهم حتى وصلت الى هذا الطريق المسدود وتعمل على صنع حيلة جديدة عندما تجلت الحقيقة المرة للشعب . وهنا سنتطرق لأربع حالات على سبيل المثال لا الحصر ثلاث منهما في الماضي كانت نهايتها الفشل الأولى حدثت في اكبر دولة وهي الاتحاد السوفييتي والثانية لأفقر دولة وهي الدولة الواقعة جنوباليمن سابقا ( الجنوب العربي ) والثالثة مشروع تصحيح وهم أضاع شعبين ودولتين تم حشرهم في مشروع مافيا استثمرته و حصدت منه المليارات والرابعة هي تجربة السعودية ألان . الحالة الأولى في الدولة الواقعة جنوباليمن سابقا عمل عبدالفتاح اسماعيل وهو سياسي يمني مارس العمل السياسي والقيادة في الجنوب واخضع كل قيادات الجنوب لإرادته وعمل على دفع الأمور باتجاه تصحيح مسار منظومة الحكم وفي 22 يونيو 1969 تم اتخاذ قرار الخطوة التصحيحية في منظومة الدولة تجاوبا لهذا الضغط وكان بمثابة نهاية مبكرة لمشروع ثورة فاشل في الأصل لم يتجاوز عمرة سنتان تمخض عنه منظومة تائهة لا تعريف ماذا تريد والى اين هي ذاهبة . فكان خروج ذلك القرار للعلن إعلان صريح عن عدم معرفة الطريق وبذلك تعد اغبي خطوة تصحيحية على مستوى العالم نكبت الدولة الواقعة جنوباليمن وشعبها ومازال الشعب في هذا البلد يتجرع مرارتها منذ خمسين عاما .
التجربة الثانية حدثت في 1991 عندما تم الاعلان عن الخطوة التصحيحية في الاتحاد السوفييتي من قبل ميخائيل غورباتشوف واسماها البيريسترويكا اي إعادة البناء وهي برنامج للإصلاحات الاقتصادية الى جانب سياسة غلاسنوست التي تدعو للشفافية فكانتا البداية لإعلان عدم القدرة على وقف انهيار اكبر وأقوى دولة في العالم وهي الاتحاد السوفييتي التي كان في ظاهرها عنوان عظيم لبداية مرحلة مشرقة للاتحاد السوفييتي لكن لم تصمد أمام الانهيار الحقيقي الذي كان مغلف بالأكاذيب . التجربة الثالثة أكذوبة تصحيح مسار وحده لم تحدث الا في مخيلة مافيا استعبدت شعبين كانت قد جاءت نتيجة لسياسة خداع واحتيال ولؤم وخبث سياسي أوقع الدولة الواقعة جنوباليمن ( الجنوب العربي ) في فخ اليمننة 1967 ثم الإلحاق 1990 باليمن، وما تم تأسيسه على هذا الحدث من تسخير شعبين وبلدين للاستثمار الشخصي لمافيا جنت المليارات وعندما تجلت الحقيقة وجدت تلك المافيا نفسها أمام طريقين اما السقوط او الاعتراف العلني بالفشل فسلكت الخيار الأخير لكن يغطا تصحيح مسار الوحدة ليحفظ لهم مراكزهم ونفوذهم وهيمنتهم والاحتفاظ بالمليارات التي جنوها بعيدا عن المحاسبة ، لكن خطوة تصحيح مسار ما سمي بالوحدة كانت خيار لفئة ماكرة للاستمرار في استعباد شعبين وفي التضليل عليهم مجددا واستطاعت به تهريب المليارات المسروقة الى الخارج ، لكن لم يصمد هذا المشروع أمام المشكلات الأخرى لأنه خلف بلاد مدمرة وراح ضحيته دولتين و شعبين وثرواتهما وتحولت البلاد الى شبه دولة .
التجربة الثالثة قرار ملك المملكة العربية السعودية بالخطوة التصحيحية التي خرجت تحت عنوان إصلاحات لكن ربما تكون الاسوا بسبب خشونة الأسلوب وهي لا تختلف عن التجارب التي سبقتها من حيث وصول تلك الى مرحلة عقيمة و الى نقطة النهاية ، واتخاذ قرار التصحيح تحت عنوان الخطوات الإصلاحية حتى لو كان يبدوا في ظاهرها انها لرفاهية الشعب والتقدم في الاتجاه الصحيح .
لكن هي في الأصل قد وصلت الى يقين انها كانت تسير على الطريق الخطاء و في الاتجاه الخاطئ الذي يوصل الى النهاية المؤلمة فاتخذت قرار تصحيح المسار الذي يعد بمثابة ثاني طريقين أحلاهما مر تحت عنون جميل كسابقاتها . التجربة السعودية للإصلاح لم يمر عليها الا شهر لكن لن تحصد اي نجاح اذا لم يتم محاسبة كل المسئولين عن الفشل و النتيجة الحتمية ستكون كمثيلاتها لان تصحيح المسار هو تراجع عن عناوين المرحلة الماضية باعتبارها عناوين خاطئة في الأصل مما يعني ان هناك ضعف وهشاشة لن تحتمل مرور عربة الإصلاح فوقها و في كل الأحوال ستكون النتيجة الحتمية المزيد من الإرباك الذي يبدءا معه العد التنازلي .
قد يثور السؤال اذا ماهو الحل ؟ ..نعم الدول التي أخرجت قانون العزل والمحاسبة والملاحقة ولم تترك لأحد من طابور مرحلة الفشل ابتداء بالرؤؤس الكبيرة يفلت من العقاب ستنجح بالفعل ونموذج المملكة العربية السعودية سينجو من الخطر اذا استمر في هذا الاتجاه .