قد تكون المدرسة هي المكان الوحيد و الأول التى يبدأ فيها الانسان مشواره في الحياة و هي النشأة الأولى في تلقى المعلومة والإدراك الحسي والحقيقي لمعنى الحياة وفصولها المتنوعة فهي مسيرة حياة طويلة و دروب تتخللها ووقفات كثيرة تأثرنا بها وتركة فينا ملامح من خواصها الطيبة كما كانت هي الحياة في عدن خليط من نسيج اجتماعي متجانس و متنوع بالكثير من الثقافات التى امتزجت بالموروث الشعبي والحضاري لهذه المدينة العريقة المتعددة الطوائف والأعراق حين كنت اذهب إلى مدرستي وانأ صغير في الابتدائية كنت استمتع كثيرا لذلك المشوار الطويل ولازلت أتذكر تلك المسافة البعيدة للوصول إلى المدرسة مدرسة الثورة والتى كانت معسكر سابق للجيش في عدن وهو أول نواة للجيش في عدن تم تأسيسه قبل الاستقلال وكان اسمه الليوي وكان خارج مدينة الشيخ عثمان و قد لا يصدق عاقل الآن أن طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يقطع من ثلاثة إلى أربعة كيلو متر ذهابا وإياب كل يوم لتلك المسافة إلا اني لم اكن أحس بالتعب والإرهاق حينها ولم أكن اتملل او اختلق ألأعذار حتى لا اذهب الى المدرسة وأعاني من ذلك المشوار الطويل لأني كنت اجد فيه من المتعة والرغبة في ذهابي إلى تلك المدرسة البعيدة ليس حبا في التعليم كما يظن البعض ولكن كان في ذلك المشوار الطويل أماكن ومواقع استهوتني ووقفت عندها كثيرا خلال مسيرتي في الحياة و كنت استمتع في الذهاب اليها والزيارة لها وأول شئ استوقفني كان جامع مسجد النور الكبير في الشيخ عثمان ذلك المعلم التاريخي والبناء الاثري لمدينة الشيخ عثمان وموقع ومزار لكثير من الناس تقصده في عدن ويتكون المسجد من طابقين ويحتوي على أكثر من مائة محل تجاري وفي الطابق العلوي مسجد يتسع لآلاف المصلين كما يضم المسجد معهد النور العلمي فهو يعتبر من أهم المعاهد العلميه الاسلامية لمدينة عدن و حين كنت اذهب إلى المدرسه كنت أمر من خلال هذا السوق تحت مسجد النور وأتجول بين أروقة المحلات من محل إلى محل آخر حتى وجدت نفسي في يوم داخل مكتبة لبيع الكتب وهي اول مرة اقف فيها داخل مكتبة كنت مندهش ولحظة أعجاب وذهول من كثرة الكتب المرصوفة بشكل جميل تلفت النظر والإعجاب وانأ أشاهد صور اغلفة الكتب بأشكالها وألوانه الزاهية فكانت هي نقطة التوقف الأولى التى اسرتني و أخذتني معها فكانت مكتبة كبيرة وضخمة وتحتوي على الكثير من الكتب والمجلدات وهي أول مكتبة وطنيه بعد الاستقلال وكان اسمها مكتبة أكتوبر تحت مسجد النور وفي كل مرة وانأ ذاهب إلى المدرسة أتوقف عندها وادخل المكتبة حتى أصبحت علاقتي وطيدة بالكتب وظل الكتاب هو ونيسي في مشواري وسفري. وفي موقع آخر استوقفني كان معبد الهندوس في الشيخ عثمان واسمه هانومان وهو معبد فارسي كان على الطريق العودة من مدرستي مدرسة الثورة وكنا نمر من جانب هذا المعبد الهندوسي المحاط بسور من الطين و يحتوي على بستان كبير وكان في الطرف المحادي من منطقة شيخ الدويل وهي الشيخ عثمان القديمة وهي عبارة قرية صغيرة يقع فيها قبر الشيخ عثمان بن محمد والذي سميت القرية باسمه كنا نمر من جانب السور وفي مرة وجدنا انا وزميل لي فتحة في السور فنظرنا من خلال الفتحة فوجدنا أطفال صغار يلعبون ونساء يفترشون الارض فوق العشب وسط البستان فغرنا المنظر وجذبنا اليه فدخلنا شاهدت مبنى من الطين في اخر البستان وأظن انه كان هو معبد الهندوس وخرج منه رجل كبير بلحية بيضاء وشعر طويل اسود فلم ينكر وجودنا ولم ينهانا عن الدخول فلعبنا مع الاطفال ونحن لم نعرف من هم ولم نعرف ومن أي دين هم لكننا كنا سعداء بلعبنا معهم وبعدها كنت كل يوم بعد خروجي من المدرسه أتوقف أمام هذا المعبد وادخل للعب فيه فكانت لحظات سعيدة وجميله أقضيه في معبد الهندوس وانأ العربي المسلم تلك كانت نقطة توقفت عندها كثيرا وأدركت بعدها أن هناك كثير من البشر يعيش معنا في هذه المدينة بكل أشكالهم المختلفة وأعراقهم الملونة ولغتهم الخاصة بهم و معتقداتهم وأديانهم وعبادات أخرى قد لانعرفها وليس عرقي و ديني وعقيدتي هي الوحيدة في هذا المدينة التى احتضنت كل أشكال الطيف من الأعراق والأجناس و الاديان والعبادات الكثيرة والمختلفة في هذه ألأرض الطيبة عدن.