من الأشياء المثيرة للغضب والاشمئزاز ضرب الأزواج للزوجات بحجة أنها ناشز وأن القرآن الكريم أوصى بضربها، بالمفهوم الخاطئ لمعني الضرب ، وللأسف الشديد كثرت هذه الظاهرة واتسعت وأخرجت الزواج عن المودة والرحمة إلى ركل ولطم وكدم وكل أنواع الإيذاء البدني ، والمسوّغ أن الله هو الذي شرع هذا في القرآن الكريم ، لأنه لوكان يعلم أن الطرق الأخري للعلاج ستجدي لأوصي بها ولكنه أوصى بالضرب بعد الوعظ والهجر. وللأسف تحوّل هذا المفهوم لثقافة سائدة وشبه مستقرة وأصبحت الكثيرات من النساء مصابات بالعديد من العاهات ، والعقد النفسية ، ووصلن بهن الأمر إلي ليس إلي كره الزوج بل كره الزواج نفسه. ولهذا كان من الأشياء التي كنت أحب أن نجد لها تخريجا مقبولا مفهوم ضرب الزوجة بعد العظة والهجر والمبني علي الآية الكريمة من سورة النساء : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) والنشوز هنا يعني التكبر والاستعلاء علي الأزواج والنفور منهم في الفراش يقول الطبري : "أما قوله : { نشوزهن } فإنه يعني : استعلاءهن على أزواجهن , وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن , والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه , بغضا منهن وإعراضا عنهم ،وأصل النشوز الارتفاع , ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز". فالنشوز امرأة تستعلي وتتكبر وترتفع علي زوجها وتعرض عنه، نجد أن القرآن الكريم -وحرصا من الله علي الكيان الأسري- وضح كيف تعالج مثل هذه الحالة بطريقة متدرجة أولها؛ العظة أن يحاول الزوج موعظة الزوجة الناشز ويُفهمها ما عليها من واجبات وما لها من حقوق وخطر النشوز علي الأسرة وعليها في الدنيا والآخرة ، فإذا لم تلتزم ولم تعد إلي صوابها ينتقل إلي الوسيلة الأخري في العلاج والتي قد تجعل المرأة تراجع نفسها وتعود إلي عقلها وهي الهجر في المضاجع ، ولا أظن أن الهجر هنا بمعني حرمانها من متعة النكاح لأنها مُعْرضة ونافرة من زوجها أصلا ، ولكن الهجر معناه تركها بعض الوقت وعدم السعي إليها ، ليظهر لها أنه غير راض عن سلوكها وأن نشوزها غير مقبول عنده،بحيث لا يترك المضجع أي الغرفة التي يناما فيها وربما السرير الذي يناما عليه لأن تجاور الأبدان قد يقرب المسافات بين الأرواح ويجعل دقات القلوب تتحاور وتتعانق وتتجاوب ، إذا كانت هناك ذرة من محبة. الوعظ ثم الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع ، فهنا (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل ، ومن ثم يكون الغرض من ضرب الزوجة الناشز هو إهمالها والبعد والإعراض عنها حتي يتم الفصل في أمرها . فليس من حق الزوج تربية زوجته بل وعظها وتذكيرها إذا تطلب الأمر ذلك. أما إذا انعدمت النية واستحالة العشرة وفشل الحكمان في الإصلاح هنا وجب التفريق بين الزوجين علي أن تكون هذه النهاية التي تبدو مؤلمة بداية لحياة جديدة لكل منهما مع آخر في نكاح جديد تتوفر فيه المودة والرحمة. (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). دين بهذا الجمال لا يمكن أن يدفع للإيذاء والعنف الأسري ، بل يحافظ علي الكيان الأسري بكل الوسائل ولكن ليس علي كرامة الإنسان ولا علي حقوقه فإذا خرجت العلاقة عن إطارها السوي؛ السكن ، اللباس والمودة والرحمة فهنا وجب التفريق حفاظا علي الأسر والأشخاص أيضا. هذا ما يجب أن نفهمه من ديننا واللغة مليئة بالمخارج والدلالات ولا ينبغي أن نبني أحكاما علي المفاهيم الخاطئة التي تدعو للعنف وتنشر الضرر. وأن ننسخ من ثقافتنا أمثال؛ "اكسر للبنت ضلعا يطلع لها اثنان " ونتذكر وصايا رسولنا الكريم علي الزوجة قال صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، فقد أوصى الرسول صل الله عليه وسلم الزوج بالإحسان إلي الزوجة في المعاملة والإنفاق في الملبس والمسكن والمأكل وأن يرعاها ويصون كرامتها ولا يجرحها ويراعي مشاعرها، وأن يتذكر مزاياها ويتغاضي عن عيوبها. أما الضرب فلم يوص به الرسول صل الله عليه وسلم وما فعله مع أحد من أزواجه أو حتي خدمه ، بل كان يحسن معاملتهن وظل لآخر رمق في حياته وهو يوصي بالنساء خيرا فلنجعله قدوتنا. بالإضافة إلى أن ضرب الزوجة متقصة للرجولة وتقلل من هيبة الرجل وتزري بكرامته ، فلا نفعله إن أردنا أن نعيش رجالا. أما إن كان " ضرب الحبيب زي أكل الزبيب " فلا بأس.