دروس من الربيع العربي - 1 -! نعم! هذه المدينة كانت سببا رئيسا في إجهاض ثورة الشعب السوري الحر ضد الطاغية بشار الأسد، إذ أنها رفضت المشاركة في الثورة في بداياتها الأولى فقصمت ظهر الثورة والثوار لما تمثله هذه المدينة من ثقل كبير سياسيا واقتصاديا وكثافة سكانية. فحلب هي شريان الاقتصاد السوري و عاصمة سوريا الاقتصادية، وعدد سكانها يفوق ال 6 ملايين نسمة. عدا ذلك فهي مدينة إستراتيجية بالغة الأهمية، فقربها من الحدود التركية أكسبها مكانة خاصة في حسابات المعارضة والنظام. "الشعب يريد إسقاط النظام".. هذا الهتاف لف كل بلدان الربيع العربي، ونجح في إزاحة الطواغيت فيها جميعا، إلا في سوريا، فقد ظل الطاغية وظلت زبانيته. ولم يكتف هذا النظام المجرم بكبح جماح الثورة، بل قضى على الشعب والدولة ليحافظ على الكرسي. الثورة السورية بدأت بالدعوة إلى إجراء إصلاحات سياسية تحت شعار "سلمية سلمية"، سرعان ما تطورت إلى المطالبة بإسقاط النظام، لكن هذا الحراك الشعبي السلمي لم يفلح في إسقاط النظام، في حين أفلح في تحريك الشارع في كل المدن السورية تقريبا، ونجح في كسر حاجز الهيبة والخوف من النظام الجبروتي الستاليني. فمن يتحمل مسؤولية فشل الثورة في سوريا؟ أعتقد الكثيرون أن النظام سوف يسقط في وقت قصير، وكادت تلك النبؤة تتحقق فعلا، لولا خذلان أهل حلب للثورة. كان النظام في حالة ذعر وهلع وارتباك وهو يشاهد هذا المد الثوري الهادر الذي يتوسع كل يوم، وفي حالة ترقب لما ستفعله مدينة حلب. فلما رأى هذا النظام الفاشي وقوف حلب على الحياد، شعر بلذة الإنتصار وبوصول اللحظة المناسبة للانقضاض، فنزل بكامل أسلحته وقوته للإنتقام من الشعب، مما اضطر السوريين إلى الدفاع عن النفس، وهكذا تحول الحراك السلمي إلى صدام مسلح عنيف، وحرب أهلية دموية، وساحة كبرى للنزاع الإقليمي والدولي المفتوح. مدينة حلب مدينة محورية في فكر الثوار، وكانوا يعولوا عليها كثيرا لأهميتها الإستراتيجية كما ذكرنا، وفي نفس الوقت كانت حاضرة في استراتيجية النظام أيضا منذ اندلاع المظاهرات السلمية، لذلك عمل جاهدا على عزلها عن الحركة الإحتجاجية وتحييدها باستخدام شتى وسائل الترهيب والترغيب ونجح. وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت المدينة بعض المظاهرات المحدودة، بخلاف أريافها التي احتضنت المظاهرات ثم العمل المسلح بعد ذلك، (وشهادة للتاريخ فإن شباب جامعة حلب التحقوا بالثورة وكانوا رجالا). حاولت فصائل الريف الشمالي تثوير المدينة، وإدخالها بالقوة في معادلة الثورة، عبر نصفها الشرقي لكنها فشلت. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حلب في قائمة أولويات النظام عسكريا حتى لا يتكرر سيناريو مدينة بنغازي الليبية، وقام بعد ذلك بضربها بكل قوة مكافئة لها على وقوفها موقف المتفرج في بداية الثورة، فدمرها تدميرا. كانوا يظنون أنه سينجون من بطش النظام إذا بقوا على الحياد، لكنهم نسيوا انهم يعرضون أنفسهم لعذاب أشد وأنكى، خصوصا أن حلب كانت ولا تزال تعتبر في فكر النظام أنها مصدر الخطر الأول، ومنها انطلقت محاولة الانقلاب الأولى في عام 1982. لماذا لم تتحرك حلب؟؟؟!!! طبعا كما يقول المثل الحلبي "المال جبان" فالكثير من الطبقة الغنية موجودون في حلب. هؤلاء كانوا يرون في الثورة تهديدا لمصالحهم الاقتصادية. كما توجد فيها نخب فاسدة رباها النظام وربطها عضويا به، كالقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية، وأغدق عليهم الامتيازات أمثال المفتي حسون الملعون (الذي أثنى في بث مسجل على ما يسميه رجاحة أهل حلب لعدم قبولهم دعوات التظاهر) ليكونوا صوته و أداته التي يبطش بها، ويوجد بها الكثير من شبيحة النظام من المارقين فاسدي الأخلاق وتجار المخدرات. بعكس المدينة فإن الريف الحلبي انتفض عن بكرة أبيه وأثبت رجولة أبنائه وزلامتهم، لكنه دفع الثمن مبكرا بسبب خذلان المدينة لهم، التي كان أبناؤها حينذاك مشغولين بالكبة الحلبية في أيام الجمع الثورية. لم ننس طبعا ما حدث لمدينة حلب وحماة بعد الإنقلاب الفاشل كيف أباد سكانهما الأسد الأب، فقتل منهم ما يقارب المائتي ألف نفس، وشرد منهم، وشرد مئات الألاف، لكن ذلك لم يمنع حماة من الانفجار الثوري مع احرار سوريا، بعكس حلب. أتذكر حين كانت الجزيرة تنقل أحداث سوريا، كانت صرخات المواطنين من بين الدمار والبارود والأشلاء المتناثرة تصم الآذان تستصرخ النصرة: "وينك يا حلب؟ وينك؟". وآخر يقول: ياولك من الله ياحلب! وأنشد بعضهم: وينك يا حلب وينك؟ كل الشعب السوري ضد الظالم والغدار! ولكن لا حياة لمن تنادي. لم تحركهم الدماء ولا مشاهد القتل والدمار، لم تحرك نخوتهم ورجولتهم، وظلوا يشاهدون الأحداث ضانين أنهم بحياديتهم سينجون من انتقام الجزار، حتى جاء موعد الانتقام فانتقم الطاغية من الكل بما فيهم مدينة حلب. باعوا وطنهم سوريا، وباعوا دينهم من أجل مصالح دنيوية. خلاصة الموضوع: - مدينة حلب رمز للخيانة الوطنية. - لن تنجح ثورة مالم ينتفض كامل الشعب في جميع المدن والقرى.