يحكى أنّه كانتْ هنالك بلدة طيبة وصف ذات يوم بأرضٍ للحكمة والإيمان ووصف شعبها بالإلين قلوباً والارق أفئدة وبأهل السلام والرسالة , وبعد أن تَداولتْ عليها الإيام وتقلبَ بها الدهر وتداعتْ عليها الأمم وسحقتها الظروف , أصبحتْ مرتعاً للشر والفساد وتراجعتْ إلى أدنى معايير الإنسانية بين الشعوب , وأضحتْ قلوب مواطنيها قاسيةً كالحجارة بل أشد قسوة ! . عالقون في الماضي أو تائهون في الحاضر... ‘‘ استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشَدهُ *** ونحنُ كانَ لنا ماضٍ نَسيناهُ ‘‘ , لم نعمل يوماً على استدعاء الماضي بسيئاته وحسناته والتصالح والتسامح مع أنفسنا وإصلاح الذات , لم ننفض غبار السنين عن مشاعرنا , لم نكن يوماً عند قدر من المسئولية لتصحيح المسار, لقد تجردنا من ثقافتنا ومن إرثنا ومن هويتنا حتى أصبحنا بالكاد نعرف , لم نبادر أبداً بالقيام والنهوض مجدداً وفتح صفحة بيضاء مع المستقبل ليس لأنفسنا ولكن من أجل أبناءنا وبناتنا الذين سلمناهم بلدٌ تائه ووسمناهم بالجيل الفاشل . ‘‘ المتسامحون هم أرق الناس قلوباً لأنّهم عرفوا قيمهم في الحياة فلم يبالوا بأخطاء البشر ‘‘ ... أن التسامح والتصالح مع الذات ومع الآخرين لهو طريقة شاق مليءٌ بالعقبات والأشواك والصعاب وليس بالأمر الهين , ورحم الله امرؤٌ أهدى إلينا عيوبنا لكي نصلحها ونتصالح معها ونقومها , ورحم الله امرؤٌ عرف قدر نفسه فترفع بها عن كل ما يسيئ له ويهينها , ورحم الله مجتمعاتٍ كانت متصالحة ومتسامحة فيما بينها البين حتى انعكس ذاك على البهائم والحيوانات فيها فترى الثعالب ترعى مع الأغنام وترى الوحوش أحمال وديعة لا تهاجم أصحابها ولا تأكل بعضها البعض . لقد قضت هذه الحرب على كل أثرٍ جميل , وأهلكتْ العباد والبلاد والحرث والنسل , فالحرب شمطاء قبيحة لا تضع أوزارها ‘‘ حتى يلجَ الجملُ في سمِ الخياطِ ‘‘ , وقد قيل قديماً : أنّه ما دامت أرواحنا في أجسادنا فلا زال لدينا الوقت الكافي لتلافي الأخطاء والعمل على لم الشمل والتصالح والتسامح مع ذواتنا وتوحيد الكلمة وجبر الخواطر وترك المصالح والمشاريع الفردية جانباً والسعي إلى تحسين حياة البسطاء من الموطنين , فلا المال ولا الجاه ولا السلطان يبقى ولكن يبقى الأثر الطيب , فأحرص لنفسك على ترك بصمةٍ مميزة يتذكرك بها الآخرون ويدعون لك عليها . أخلصوا النيات وإعيدوا ترتيب الأولويات وتسامحوا وتصالحوا مع ذواتكم ومع الآخرين ‘‘ وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا ‘‘ .