"إذا لم تكن معي فأنت ضدي أو خصمي " نتابع ونصاب بالإحباط مما وصلنا إليه ، ونحن نعيش في أوقات لم نعد نحتمل فيها بَعضنا بعضاً ، " البعض قد يهدم كل ماضيك المضيء معه مقابل آخر موقف لم يعجبه " ! لا نريد أن نسمع إلا رأينا ، خطأً كان أم صواباً ، ولا نحتمل أي مخالفة لهذا الرأي ، ومن ثم تسيطر علينا ثقافة الكراهية والحقد ورفض الآخر رفضاً قاطعاً . ليس بالضرورة أن كل من يخالفنا هو عدونا.. و ليس كل من لم يكن معنا فإنه ضدنا.. و لا يجب علينا أن نتعامل مع كل من يتقاطع رأيه معنا أن نقيم عليه الحرب والعداء ! وليس كل من لا يؤيدنا ليس منا.. وليس من الذوق علينا أن نواجه من يبدي رأيه بما لا يتطابق معنا بأن نجرّحه بأشد العبارات بشاعةً ! لماذا تصر على تسميتي أو تصنيفي أو تحييدي ؟ لماذا لا تتقبل فكرة أني أحب الجميع والجميع يحبونني ؟ تلك هي مشكلتنا الحقيقية ، حينما لا نملك على الأقل ثقافة الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ، ونملك بدلاً منها فن التجريح بأبشع الكلمات والصور وأقساها ؛ فن الإهانة ورفض تقبل الآخر بسيئاته وحسناته . فالمسئيء مسيئءٌ لا توبة له في أعين الناس ولو صام النهار وقام الليل ! لماذا تحجرون واسعاً ؟ أنسيتم أن الله غفر للذي قتل 100 نفس بمجرد أنه نوى التوبة صادقاً ! أنسيتم أن للجنة ثمانية أبواب وليس بابا واحداً ! أنسيتم أن الله تعالى قال " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " ، وهم أهل كتاب ! اليس من كلمة سواء تجمع بين الإخوة والفرقاء ! إن مثل هذه الثقافة هي للأسف مؤشر على مستوى الإنغلاق الكبير الذي يعيشه مجتمعنا بعيداً عن الحوار ، أو قبول الاختلاف بالرأي ، وبما قد ينشأ عنهما من مشاكل لا تنتهي ، وخلافات وقطيعة وأحقاد ، وصولاً في بعض الحالات إلى التطرف والتحريض والإنتقام كل ذلك لأن أحدهم قال رأياً لم يعجب الآخر ولم يؤيده ! هي أمراضنا المجتمعية التي بدأت تظهر لنا على السطح عند أول حوار أو نقاش ، فالإعتراف بها هو أول خطوة إلى سبيل علاجها . كنا نعول على مواقع التواصل الإجتماعي كثيراً بأن تكون منصة حرة لتبادل الآراء و بوابة تعلمنا كيف يكون الحوار والإختلاف ونافذة تؤكد على مفهوم قبول الغير و مكاناً لتعزيز الأفكار وإثراء المحتوى ، لكن للأسف أصبحت تلك المواقع أداة تعكس ثقافة المجتمع غير المعتاد على الحوار ، ومن ثم بوابة للخلاف والكراهية . لذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة ، طالما نحن كما نحن نرفض الآخر ، وفق العقلية ذاتها ، من دون إحداث أي تغيير حقيقي ، أو قناعة بأن اختلافنا هو ما يميزنا كبشر وأن الإختلاف رحمة ، إن كان مبنيا على ثقافة الاحترام والاحترام المتبادل !