لقد فقد الإعلام كل صفائه ولم يعد هو السبيل الوحيد إلى الرؤية الواضحة التي تنفذ عبره العين كي تبصر بشفافية تامة مجرى الأحداث الهامة وتكتشف كل خفاياها المريبة، وتخرج بحصيلة مفيدة تلخص واقع الأمور المرتبطة بالحرب الطويلة، و تستنبط منها حقيقة تضارب صراع المصالح في البلاد التي أنهكتها ويلات الحرب المدمرة، ليس هذا وحسب بل صارت في بعض الأحيان وسائل الإعلام المتنوعة والفاقدة لواجبها المهني، هي الأداة الفاعلة لتضليل الرأي العام وخلق البلبلة ونشر الإشاعات وإشعال حرب الآراء المتباينة والأفكار المتناقضة بين الناس، ويتم كل ذلك من أجل محو كثير من الحقائق وتزوير صورة واقع البلاد وحالها المكسور. خمس سنوات من الحرب العبثية والتي رافقها صمت مريب من الإعلام المسؤول، أمام بواطن مجريات الأمور، فلم يعلن إعلامنا الرسمي أو إعلام دول التحالف العربي في أحد منابرهم العديدة، عن تبرير صريح ومقبول لأسباب استمرار الحرب كل هذا الزمن الطويل والتي تجاوزت به حدود العقل والمنطق، ولم يعطِ ايضاً منبر من منابرها رؤية واضحة تستوعبها عقول الناس التي لم تصدق بحقيقة تلك القوة التي تمتلكها المليشيات الحوثية والتي ساعدتها على البقاء والصمود الطويل أمام هجمات الطيران الحربي الحديث للتحالف العربي وأمام زحف القوات البرية للجيش الوطني وقوات المقاومة الجنوبية وغير الجنوبية المزودة بأحدث المدرعات، وغيرها من السلاح الفتاك، وإلى جانب ذلك الدعم والإسناد المقدم من دول التحالف العربي، وفي مقابل كل ذلك، لم تكتفِ تلك المليشيات بالصمود ومواجهة كل هذه القوى، بل هاجمت بصواريخها وطيرانها المسيّر دول الجوار من التحالف العربي وهددت أمن المنطقة برمتها. ومما لا شك فيه أن هناك تعتيم كبير يلف المواقف المتخاذلة التي تحيط بمبعوثي الأممالمتحدة والتي اكتنفها سحاب كثيف ومتراكم منع البلوغ لجوهر مضمونها وفهم حقيقة مقصدها ومبتغاها منذ بداية الحرب وإلى يومنا هذا. وكما انطوى موقف قيادة دول التحالف -السعودية والإمارات- على كثير من الإبهام تجاه القضية الجنوبية ولم يتضح موقفهم الحقيقي بجلاء حول مستقبل الجنوب، رغم أن دولة الإمارات لها موقف ثابت في دعمه للمجلس الانتقالي الجنوبي وانحياز واضح إلى جانبه، ولكن ومع كل ذلك لم يظهر الإعلام الرسمي لدولة الإمارات بتصريح سياسي صريح يحدد موقفها المعلن تجاه وضع الجنوب بعد إنتهاء الحرب. واليوم والشعب بانتظار التوقيع على مخرجات حوار جدة في الرياض والذي طال إنتظاره، ومع ذلك، لم ينتصب الإعلام كعادته بتوضيح كل ما توصل إليه ذلك المؤتمر من نتائج، بل ترك الناس ليستسقوا تسريبات غير مؤكدة، فالشارع الجنوبي في ترقب مستمر لتوقيع إتفاق جدة الذي من المؤمل منه أن يقشع بعض من الضبابية التي تغلف الموقف السعودي والإماراتي معاً، وأن يفتح قناة تفاهم بين شرعية الرئيس هادي والمجلس الإنتقالي لحل القضايا الشائكة والمعقدة بينهما وسد هوة الخلاف التي اتسعت بؤرتها بعد أحداث شهر أغسطس الفارط والتي أثارت مخاوف من إشتعال حرب واسعة في الجنوب.