المتعقل ذو البصر والبصيرة وحده المرتاح هذه الأيام التي يكثر فيها اللغط وحتى الهرج والمرج من دون هدف غير توتير نفسيات الناس العطشانين لليقين وللأخبار السارة التي تشيل عن كاهلهم هم وطن مسلوب محروم من الحرية وتحقيق مصيره واستقلاله. فهو وحده يرى ببصر عينه لا بعين غيره وببصيرة لبه لا بالكواشف المزيفة, وعادة لا يستعجل في إصدار أحكامه ولا يتخذ قراراته الحكيمة إلا بعد دراسات شاملة مكثفة من شتى الجوانب لكل مسألة سواء كانت عسيرة أم يسيرة, وبعد متابعات دقيقة تستوفي الشروط لتحقيق النجاح مع توفر الرغبة الشديدة في إحراز التفوق اللازم للتقدم نحو أعلى المراتب والمستويات المطلوبة. المتروي لا يقذف بالاتهامات جزافا لخصومه لا لسبب إلا كونهم خصوما ولا يستهتر بعقول البسطاء بتأويلاته للإشارات والرموز والخلط بين التثمينات والإشادات والاعترافات التي لكل منها سلوكيات وأدبيات خاصة, فكيف هو الحال إذا كان الأمر يتعلق بمصير وطن أو إراقة دماء أبنائه؟! في لقائه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد عيدروس قاسم الزبيدي بقيادات وأعضاء هيئات وهياكل ومؤسسات المجلس السبت الماضي 21ديسمبر الجاري 2019م لشرح مضامين اتفاق الرياض وفي نفس الوقت إنما الهدف من ذلك اللقاء هو التأكيد على سلطته الحاكمة وامتلاكه لكافة القدرات والطاقات والإمكانيات لإدارة البلاد وخاصة بعدما رفضت الحكومة الشرعية اليمنية ضم قوات المقاومة الجنوبية – أحزمة ونخب - إلى كل من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية مما أتاح للرئيس عيدروس الاحتفاظ بها للمجلس الانتقالي الجنوبي وقد صار معترفا به إقليميا ودوليا ممثلا شرعيا للجنوب, وذلك قطعا يصب في مصلحة الجنوب كقوة تدافع عن الجنوب وتحافظ على أمنه واستقراره وللمنطقة برمتها. وليس من الضروري أن يضم كل المكونات والقوى التي اختارت لها مواقف مختلفة من عدم الاعتراف بالمجلس إلى معاداته له وللتحالف العربي ومناوئتها لوجود السعودية والإمارات في العاصمة عدن وفي الجنوب عامة, مع علمها بأن الحكومة الشرعية مع التحالف وشريك للمجلس الانتقالي في حكومة المناصفة 12شمالي و12جنوب وهي, أي المكونات والقوى في صف الحكومة الشرعية التي يتعلق رفضها ضم قوات المقاومة الجنوبية للوزارتين بالرواتب والأجور تأخذها بالريال السعودي وتصرف لهم بالريال اليمني لتتقلص رواتبهم وأجورهم إلى أقل من النصف هذا من ناحية, ومن ناحية ثانية تتحكم بالقوات وترسلهم إلى جبهات الشمال وتبدل محلهم في عدن والجنوب بقوات شمالية أحمرية إصلاحية تأتي من مأرب كما هو الحاصل في شبوة, الله يرحم مقاتيلها.
هنا, لابد من الإشارة أنه في كل دولة من الدول, في كل وطن من الأوطان في العالم يلتف الجميع حول القيادة التي تحظى بثقة الداخل قبل الخارج, فكيف لو حظيت القيادة بثقة واعتراف الخارج أيضا؟! وهذا ما يتمتع به المجلس الانتقالي الجنوبي. في كل وطن تعمل فيه جهة أو شخص من الأشخاص يعمل ضد الوطن ومصالحة يتم تخوينه وهذا المستوى لحد الآن لم يبلغه أي جهة جنوبية ولا أي شخص والسبب هو التستر خلف الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا أيضا. وشمالا, فإن الشماليين أنفسهم سواء كانوا في الشرعية أو خارجها لم يتهموا الحوثيين بالخيانة العظمى لحد الآن واعتبروهم انقلابيين حيث يمكن مشاركتهم في الحكم. فما بالنا نحن الجنوبيين نجد من يدعي بأن لغة التخوين منتشرة فيما بيننا. فإذا رفضت نقدك فلا يعني ذلك إنك تخونني وإني أخوّنك ويجب علي أن اخونك. صحيح أن الجنوبيين لحد الآن لم يصيغوا لأنفسهم القوانين الخاصة بهم ولم يضعوا لأنفسهم الدستور ولكن.
نكون صريحين أن الجميع مقصرين ولا نجد روح التعاون فيما بينهم, بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبقية من مكونات وقوى جنوبية. ربما لأن المجلس لحد الآن, وكونه هو من يقود لا بد أن يتحمل المسئولية فيما يخص استمرار بقاء الكادر المحسوب على الأحزاب الشمالية في مقدمتها المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح في قيادة المرافق الإنتاجية والخدمية في الجنوب. ليس ذلك وحسب, بل أن المجلس الانتقالي الجنوبي على صلة دائمة بكوادر ومسئولي المؤتمر وهو شمالي المنشأ ولا يتواصل أبدا مع كوادر الحزب الاشتراكي اليمني المبعدين من المسئوليات ومن الوظيفة منذ 1994م والحزب جنوبي المنشأ. نرجو لفتة كريمة طالما المجلس يعمل بمبدأ الوطن للجميع فلابد من إشراكهم في تحمل المسئولية في تحقيق مصير وطن وبناء صرحه ومستقبله.