ما من مكون يعول كليا على الخارج الذي هو دائما يعول على الداخل وعلى مدى انسجام رؤى المكونات والقوى السياسية وتناغم عملها المشترك على اختلاف مستوياتها ومكانتها في سبيل تحقيق الأهداف الإستراتيجية والمصالح العامة لهذا البلد أو ذاك. ومن غير المنطقي أن يتدخل الخارج حتى وإن تقاطعت مصالحه إقليميا ودوليا مع مصالح البلد فارضا أجندة مخالفة لإرادة الشعب مغايرة لتطلعاته بواسطة مكون ما أو قوة سياسية واحدة في هذا البلد أو ذاك في زمن التعددية والعلنية وذلك حفاظا على سلامة وقانونية التقاطع, غير فرض مبدأ السلام المبني على أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع. ومن غير الطبيعي ولو تكتيكيا أن يتخلى مكون من المكونات أو تتنازل قوة سياسية معينة عن بعض مسئوليات تجاه أمور مصيرية التي تعهد وتعهدت بتحملها ثم يتراجع عن مواصلة مسيرة النضال بشأنها تحت ضغط رغبات أو ظروف قاسية خارجة عن الإرادة. عندئذ يكون من البديهي تظهر التباينات وتنشب الخلافات بين المكونات والقوى السياسية كسبب من أسباب الضعف المقصود لينخر في وحدة وقوة الحراك الشعبي لبلد معين وأن تشابهت عوامل استنهاض الأوطان عبر حراك ثوري شعبي واحد رافعا مطالب حقوقية وسياسية كالذي يجري في كل من العراقولبنان وليبيا واليمن وإيران. بالنسبة لمطالب الحراك الشعبي في العراقولبنان وليبيا وإيران كلها سياسية في أساسها تغيير شكل الحكم عبر تشكيل حكومات مدنية تكنوقراطي في المقام الأول من اختصاصيين غير حزبيين لا ينتمون لأي حزب سياسي, والتي بدورها ستقوم بتوفير المطالب الحقوقية مع مكافحة أسباب الغلاء وأشكال الفساد ومنابع الإرهاب. وحتى في سوريا يجري نفس العمل لتغيير النظام من خلال وضع دستور جديد بناءا على مخرجات آستانة وسوتشي الذي ترعاهما روسيا التي قطعت دابر إرهاب النظام الأردوغاني وأطماعه في سوريا. ولازالت روسيا تعمل على نفس المنوال لقطع دابر إرهاب وأطماع أردوغان في ليبيا, حيث تمكنت من عقد لقاء غير مباشر بين السراج والمشير حفتر في موسكو تمكن من انتزاع توقيع السراج وحلفائه الأتراك على تعهد بوقف إطلاق النار, حيث سيحمل الرئيس الروسي تلك الوثيقة إلى مؤتمر برلين الذي يحضره يعقد اليوم الأحد التاسع عشر من يناير 2020م لتضمينها في مخرجاته وتثبيت وقف العمليات العسكرية في ليبيا ومنع تدخلات النظام التركي والأنظمة الإخوانية وفي مقدمتها النظام القطري في الشأن الداخلي الليبي, في حين تونس نأت بنفسها عن الأزمة الليبية بدبلوماسية وحنكة سياسية فائقة ومنعت أردوغان من استخدام الأراضي التونسية وحرمت جماعة الإخوان من المشاركة في مؤتمر برلين الذي جعل النظام القطري يلهث كثيرا خلف دعوته للمشاركة فيه ولا أحد استجاب له ولا عبّره ولا قدّره لدوره التخريبي, في حين يسعى مؤتمر برلين إلى دمج جميع المظاهر المسلحة تحت قيادة الجيش والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة الليبية وتفعيلها تحت رئيس واحد وحكومة واحدة وبرلمان واحد وجيش وأمن واحد برعاية أممية.
هذا السيناريو يعيدنا إلى بعض بنود اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي إن لم يكن كلها بدءا بدمج المظاهر المسلحة تحت قيادة الجيش وانتهاءا بإعلان حكومة جديدة مناصفة بين المكونين تحقيقا للمطلب السياسي في اليمن. هذه الحكومة هي من ستعمل على تحقيق المطالب الحقوقية لكافة الشعب اليمني وليس الجنوبي وحسب خاصة بعد التفاهمات السعودية الحوثية, والذي يحق له الخروج في حراك شعبي مطالبا بالإسراع في تنفيذ بنود اتفاق الرياض لتغيير الحكومة واستبدالها بالحكومة المناصفة توفر له احتياجاته وتؤمن له حقوقه بأثر رجعي وخاصة أن الوقت غير مناسب حاليا لإعلان انفصال الجنوب حسب قول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد عيدروس قاسم الزبيدي, الأمر الذي يحقق هدف ومبدأ واحدية الاحتجاجات, فكيف يكون اتفاق الرياض أساسي وضامن لاستعادة الدولة الجنوبية وفي نفس الوقت يجعلنا ننتظر دعما عربيا وإقليميا لإعلانها؟!
فالتراجع عن الأهداف العريضة ليس مقتصرا على مكون واحد دون آخر, بل جميعها في وضع لا يحسد عليه في أزمة تخليها عن رسالتها. وتأكيدا على ذلك الائتلاف الوطني الجنوبي ( أوج ) الذي انعقد مؤتمره التأسيسي في المكلا بتاريخ 18 مارس عام 2017م نحو حامل سياسي للقضية الجنوبية وتنصله عن خياره في إقامة الدولة الجنوبية الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة على حدودها المعروفة قبل 22مايو 1990م, وعن التشديد على أن يكون كافة المناطق الجنوبية تمثيلا عادلا في الدولة الجنوبية, وعن تسليم منفذ الوديعة إلى قوات النخبة, وعن الملف النفطي والوظائف والمقاولات والاستفادة من أخطاء الماضي وربما عن مبدأ التصالح والتسامح.
غيض من فيض وعاد العالم لم يلتفت ناحية قضية الجنوب ولا يريد الاعتراف بأنها أساس الأزمة اليمنية في معالجتها يكمن الحل الجذري للأزمة المنية ربما لفقدان الجنوب للكفاءات والخبرات السياسية الحديثة بسبب حرمانهم من ممارستها منذ 1994م ونشوء جيل متأثر بسياسات اللامبالاة إلا للمصالح الذاتية حتى وإن قامت على الإقصاء والخراب التي كان ينتهجها نظام صنعاء, أنا والطوفان من بعدي كما يظهر في ارتماء العديد في أحضان جماعة الإخوان وإيران نقلهم النظام القطري إلى اسطنبول في تركيا والضاحية في لبنان.