في بلاد العرب ما أكثر التشريعات والقوانين واللوائح التي تنظم كل شيء حتى دقائق الأمور وأبسطها فالقوانين شاملة عامة والمجالس التي تقنن وتشرع كثيرة ومتعددة ومتنوعة الطرح والنقاش وما أعظم الهيئات والوزارات التي تتبنى متابعة تنفيذ القوانين والرقابة عليها عند التنفيذ والمحاسبة في حالة الاخلال بتنفيذ تلك القوانين. فتصوروا من باب التقريب لحجم تلك الجهات المشرعة والمنفذة والمحاسبة من مجلس نواب ومجالس استشارية ومجالس أعيان ومجالس شيوخ ووزارات شئون قانونية ووزارة عدل ومحاكم ومجالس قضائية متعددة الصلاحيات ناهيك عن الاعراف القبلية التي تنزل نزلة القوانين في كثير من الاحيان رغم أن المجتمعات العربية تدعي بأنها مجتمعات مدنية صرفة . ولكن من خلال الممارسات اليومية لتسير أمور الدولة يلاحظ اختراق تلك القوانين ويبدأ الاختراق والتهميش لها من القمة قبل القاعدة حيث لا يحتكم السياسيون والقادة في تسيير أمور الدولة والوزارات الواقعة تحت تصرفهم بحكم الوظيفة التي لا يحتكمون للقانون في تسير أعمالها بقدر ما يلتزمون بتنفيذ سياسات خاصة تتوافق ومبدأ أحزابهم التي ينطون تحت مظلتها أو جماعاتهم القبلية والاسرية أو حتى المصالح الخاصة لهم ولو تعارض ذلك العمل مع نصوص الدستور والقانون. ويبدأ ذلك الاختراق لنصوص القوانين من اتخاذ قرار التوظيف والتعين في المنصب حيث يصبح مَن يشغل منصب في الدولة محصن على الاطلاق حتى من المحاسبة والنقد ولو مزق بنود القانون الذي يحتكم إليه في تنفيذ مهامه أو حتى قرار القانون الذي عينه وأصبح بمقتضاه يشغل ذلك المنصب في الدولة. ولهذا نجد أن القوانين في كل الوطن العربي والدساتير التي انبثقت منها هي مجرد رتوش تزين بها المكاتب وخطب صائغة في المناسبات والاحتفالات وإن طبقت بحذافيرها ستكون على سبيل الابتزاز واضغط على المواطن صاحب الحاجة الذي لا يمتلك وساطة أو معرفة وإنما تتحول النصوص للبحث عن النواقص وتصيد المواطن واجباره على الدفع لتحريك معاملته او المتابعة التي يسعى لها وإلا واجهته العراقيل والعقبات وأصبح القانون حجرة يتعثر بها في دهاليز الوزارات والمكاتب الحكومية والمانع النصوص الجامدة التي لا يكون لها شأن إلا في مواجهة المواطن صفر( صفر وساطة). ولهذا فإن الدولة إذا كانت في معاملته للدول غير العربية يسلك معها طرق غير قانونية وتغلب السياسة على كل القوانين والاعراف الدولية لانهم يعلمون أن الدول العربية لا تقيم وزن للقوانين في مواجهة مواطنيها وتعامل بالمثل فمن لا يحترم تطبيق القانون عندما يكون الطرف الأقوى في تنفيذ القانون والاشراف عليه يلقى نفس المصير عندما يكون الطرف الاضعف في التنفيذ. والواجب أن تحكم القوانين واللوائح والدساتير في كل الاجراءات ويكون الاحتكام في حال الخلاف إلى مراجع قانونية موثوقة يستند إليها في شرح القانون وتفسير مواده ولا يترك الحبل على الغارب لكل منفذ للقانون ينفذه على هواه ويجري حيث تكون المصلحة تقف إلى صفه.