يكاد القلب ينفطر ألما وحزنا، لتلك المشاهد المأساوية التي باتت واقعا معاشا لدى سكان الأرض الليبية، بعد إن طالتها أيادي الحقد والعدوان لتعبث بأمنها واستقرارها ومواردها، وكل جميل على ترابها. لم تلمح عيناي قط أية مؤشرات أو بعواعث للاطمئنان المنشود هناك وعلى المديين القريب والوسيط، على مختلف الصعد الحياتية، بعد إن وجدت الأطماع الخارجية والمؤامرات الدنيئة طريقها إلى الداخل الليبي، لتستهدف وبدرجة رئيسية كبح جماح النزعة العروبية والقومية التي تشربها إنسان ذلك البلد العربي الأصيل، وتغذية ثقافات العصور الوسطى النتنة، لإغراقه مؤخرا في أتون النزاعات العرقية والقبلية المقيتة، بعد تخلصه منها وطرده للمستعمر الغريب. لن نجافي الحقيقة عندما نشير إلى تلك الخطوات الجريئة التي خطتها ليبيا، كسائر شقيقاتها من الدول الشرق الأوسطية، المتحررة من أشكال الهيمنة الاستعمارية وأدواتها، حين قررت دون استئذان الاستفادة من مقدراتها المختلفة، وأيدي أبنائها المؤهلة بشكل فاعل ومثمر، والاعتماد على الذات في تلبية الكثير من متطلبات وحاجيات الإنسان الليبي، والتقليص التدريجي لأشكال الاعتماد المباشر على الغير، فكان نتاج ذلك إن ساد الأمن والأمان، وعم الاستقرار والرخاء ونما الاقتصاد وتحققت المنجزات، على رغم الحصار والعقوبات، والمقاطعة وسياسة التدخلات وزرع بذور الشقاق، وعلى نحو أربعة عقود، هي سنوات حكم نظام الشهيد القائد معمر القذافي رحمه الله. لقد كان نظام العقيد معمر القذافي نظاما وطنيا بامتياز، لارتكازه على إيديولوجيات إسلامية وقومية بحتة، فضلا عن كونه خريج المدرسة الناصرية، باعتباره أحد رجالات البطل العربي والقومي الخالد جمال عبد الناصر رحمه الله، ومن أكثر المقربين لديه. ظلت الأرض الليبية وما تزخر بها من ثروات ومقدرات، محل أطماع وعامل جذب للكثير من الدول الاستعمارية الغربية، حتى حانت فرصة ذلك التدخل حين انطلقت موجات الفوضات العربية في عام 2011م، والتي خلقت مناخات مواتية لتلك الدول، لتنفيذ عدوانها على ليبيا الدولة والشعب، بعد تشريعهم لذلك الأعتداء السافر، من خلال استصدار قرار ظالم من الأممالمتحدة، يخول لهم الحق بمنع تحليق الطيران الحربي الوطني الذي يستهدف الجماعات الإرهابية، ليتوسع ذلك الإجراء العسكري تدريجيا، حتى ينتهي به الأمر بضرب جميع المقدرات العسكرية والمدنية للبلد، ودعم الجماعات المسلحة، وتجنيد المقاتلين من الخارج. عدوان الحلف الصليبي (حلف الناتو) على ليبيا، لم ينشد سلاما أو يخلق نماءا، بقدر تدميره للبلاد، وقتله للعباد،وتشريده للسكان، وتفريخه لبؤر الإرهاب، فدفع فاتورة تلك الحرب المدمرة الشعب الليبي الذي بات اليوم يعيش حياة العصور الأولى، مفتقرا لأدنى مقومات العيش الكريم، متسولا على المنظمات، دون تعليم أو صحة أو كهرباء أو خدمات أخرى. اللافت للأنظار في مسلسل العدوان على ليبيا، مواقف العمالة والخيانة التي اختيرت من بعض الأنظمة المحسوبة عربيا، كأنظمة مشيخات وإمارات منطقة الخليج، التي قبلت إن تجعل من نفسها رأس حربة في تمويل المشروع التدميري للدولة الليبية، ودعم مختلف أنشطة الجماعات المسلحة المناوئة للجيش الليبي، فكان من التداعيات الخطيرة لتلك المؤامرة، السقوط المدوي للدولة والنظام في ليبيا، وظهور الجماعات المسلحة المتناحرة، والتي تدعي كل منها اليوم أحقيتها وأهليتها بالسيطرة والانفراد بحكم البلاد. ما يؤرقني حقا هنا، ذلك العبث الذي تحاول من خلاله بعض الأنظمة العربية، والتي تزعم إن دعمها لجماعة خليفة حفتر المسلحة، تمليه مصلحة عربية عليا، متناسيين في ذات الوقت دورهم السلبي في تدمير دولة ليبيا وإسقاطها، غير واعيين لحقيقة حفتر الناصعة، بعد إن بات هاربا من وجه عدالة الدولة الليبية المغدور بها، وتلاحقه العديد من قضايا وتهم العمالة والخيانة، حتى يُنصب فجأة من قبل أنظمة ممسوخة كقائد وطني، لا أدري ما معايير هؤلاء!. والله على ما نقول شهيد.