كل ما حوله يبعث على الخوف ويملأ قلبه بالرعب فالطريق وعرة والأرض محفوفة بالمخاطر وحتى السماء يبدو عليها الحزن والأسى والكآبة فالسماء ملبدة بالغيوم السوداء تزخ بين الحين والأخر بزخات من المطر وكأنها تبكي وتحاول أن تخرس صوت بكائها حتى لا يسمع صداه فيشعر النائمون بالخوف والقلق, وتوقظهم من نومهم ومن بعيد يلمح نقاط عسكرية مدججة بالسلاح وسيارات الحراسة أشعة كواشفها تصدر بريق من بعيد ومن بين أشجار الزيتون ينطلق شاب بسرواله الفضفاض وقميصه المقلم وعمامته الحمراء المكسوة بلون الدم يستوقفه: لا تسلك الطريق العام سوف تستوقفك دورية الاحتلال ما زال يعاني من الدهشة والاستغراب وهو يقلب بصره في كل مكان علَّه يجد ما يدله على المكان الذي وصل ، من حيث لا يدري وقف إلى جانبه رجل في أربعينيات العمر ملتحٍ وأخذ يجذبه من قميصه وهو يدله على الطريق الذي يجب أن يسلكه ، فتشير أصابعه إلى بئر تؤدي إلى نفق ، يتبعه يهبط سلم النفق يغيب الضوء شيئاً فشيئاً يسير خلف الدليل الذي أخذه ليسلك به النفق فيضيق المكان حتى تنعدم الرؤيا فيسير يتحسس المكان ولم يعد يحس بوجود الدليل حتى يتسع المجال فيسمع صوت والده يؤذن للصلاة فيرتعد من الخوف والدهشة هل سيرى والده الذي وافته المنية منذُ سنين ، يتقدم المكان فيلمح ظل ابيه يأمر الجموع بالاصطفاف لتأدية الصلاة ولا شيء غير الظل لكل الجموع فكلما اقترب ليلمس ما حوله فإذا به يتبدد كأنه لم يكن فيتسأل في نفسه المكان معلوم الوجهة لكن هل هو ينتمي إلى هذا المكان ينتابه ألم في رأسه فيرفع كلتا يديه ليمسك برأسه وعلَّه يلمح صيدلية أو محل يبتاع منه دواء يزيل ما ألم به من وجع فلا شيء إلا سراب الاشياء كلما تقدم تبدد كأنه لم يكن ، ينطلق محاولاً الخروج من هذه العتمة التي لا تحتوي إلا على ظل الاشياء ليبحث عن الواقع فيتيه في السراب وكلما تقدم ليسأل عن المكان: ما اسم المكان ، أين انا الأن؟؟ كلما اقترب من ظل شخص ما أن يتحدث يتلاشى الجسم المنادى حتى لا يبقى إلا صدى صوته يتردد في الفراغ غير المتناهي ، يرفع صوته بالصراخ : مَن يجيبني أين انا ؟ مَن يخرجني من هذا المكان؟ صوته يتردد في الأفق كموجات مغناطيسية تهز جسده المتعب من طول الرحلة فيسقط نحو أرضية المكان وهي الشيء الوحيد يمثل الحقيقة دون سائر الاشياء التي لم تعد سوى ظل لا يمثل جسد ملموس ، فيقع على ركبتيه ، تنزلق دمعة كانت عالقة بين جفنيه المرهقين يرفع كلتا يديه ليمسحها بأصابعه المرتعشة فيمررهم على وجنتيه فيشعر بهما ويحس بأنه هو الحقيقة الثانية في عالم السراب الذي دخل فيه وعلق دون أن يتمكن الخروج منه ويعود على أرض الواقع الذي جاء منه مرة أخرى. ينهض من مكانه يستدير يغير الاتجاه يلمح من بعيد شعاع يقوده نحو المكان الذي يستطيع الخروج منه يهرول سريعاً ليتجاوز الفوهة التي أخت تتلاشى وتضيق شيئاً فشيئاً حتى اغلقت وقد هو يشعر بالراحة وتنفرج أسنانه عن ابتسامة فرح بنجاته، فتدخل أمه لترفع بطانيته التي سقطت أثناء حركته في نومه فيشعر بالدفىْ فيغص في نوم عميق