على الرغم من إن محافظة المهرة الجنوبية، ظلت طوال السنوات الفارطة في معزل عن تلك الحرب المدمرة التي شهدها البلد وما زال، والتي انطلق مسلسل أحداثها الدامي في مطلع العام 2015م، إلا إن إرهاصات صراع مشابه على تراب المحافظة، أضحت أكثر وضوحا، وتعززها جملة من المقدمات الموضوعية التي شهدتها المحافظة مؤخرا. حتى تكتمل لدينا الصورة الحقيقية عن أكثر الأسباب والدوافع الكامنة خلف الصراع، يجب إن نتوقف قليلا لإلقاء نظرة سريعة ومتفحصة عن الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية التي تحتلها تلك البقعة الهامة من الأرض الجنوبية. فبحسب خبراء اقتصاد ومتخصصين تضم محافظة المهرة وصحاري الربع الخالي التابعة لها، مخزونا إستراتيجيا ضخما من المياه، تشير تقديراته الأولية لترليونات الأمتار المكعبة، وفي حال تم استغلال هذا المورد الحيوي، يصبح بالإمكان توفير غذاء لبلد يقدر سكانه بثلاثين مليون نسمة، ولمدة قرن من الزمان على أقل تقدير، هذا فضلا عن ما سوى ذلك من الثروات البحرية والمعدنية الأخرى التي تحتويها محافظة المهرة وملحقاتها، إذا استثنينا هنا مقدراتها السياحية وموقعها العسكري الحساس. ومن المؤكد لذلك فقد باتت محافظة المهرة ومقدراتها الهائلة، عامل جذب للكثير من القوى الطامعة، سواء كانت داخلية أم خارجية، والتي نلحظ اليوم حضورها على تراب المهرة، وعلى رأس ذلك إضافة لقوى صنعاء صاحبة الحضور القديم والقوي، الوجود السعودي هناك والذي أخذ يتزايد مؤخرا، وليس عن ذلك ببعيد الدور المتوقع إن تلعبه سلطنة عمان، التي بالتأكيد لن ترغب في إن ترى الوجود السعودي على مرمى حجر من أراضيها، وبالمقابل وعلى نفس السياق لا نستبعد تورط أطراف دولية في صراع هام كهذا، من خلال أذرع وأدوات محلية وإقليمية. من دون أي شك فقد بلغ الصراع المحتدم في المحافظة المعروف عنها مدنيتها وسلمية أهلها ذروته، إلا أنه نزاع تسترخص الغوالي في سبيله، لارتباطه بمبررات تُرى بعين أطراف النزاع المختلفة أكثر منطقية وقبول. إلا أنه من عظيم المفارقات في هذا الصراع المحموم والتي تستحق الالتفات والتوقف عندها، غياب الحضور الجنوبي وبشكل جلي، ذلك الحضور الذي يُفترض له إن يغير سبيل الصراع وبالوجهة المطلوبة، ولصالح الطرف المقبول جنوبيا، أو بالأحرى لصالح الجنوب نفسه. إحجام المجلس الانتقالي وبقية القوى الجنوبية الحية، بل وابتعادهم عن مجريات تلك الأحداث في أهم محافظة جنوبية، تصرف غير وجيه في أي تقدير موضوعي، كون ذلك لا يصب في خانة الآمال والتطلعات المنشودة للجنوبيين، والرامية لإيجاد قدر من التقارب والوحدة بين مختلف مناطق وجهات ومحافظات الجنوب، والنأي بها عن مشاريع اليمننة المرفوضة، لا سيما في ضوء ذلك التواجد القوي والملفت للقوى اليمنية المختلفة والشرعية الإخوانية. نميل للاعتقاد مجددا بنهاية وشيكة لأتون ذلك الصراع الدائر على التراب المهري، من خلال إبرام صفقات سياسية تشوبها السرية، بين الطرف الإقليمي الفاعل والقوى اليمنية، ثمنها سيدفعه الجنوبيون باهضا على أكثر من صعيد. والله على ما نقول شهيد.