لا أفهم السبب الذي يجعلني أتذكر، هيريت ستاو، كلما شرعت أنظر في صورة الحقوقية العدنية هدى الصراري. مباشرةً، تتبادر إلى ذهني هيريت، حالما أسمع أحدهم يتفوه باسم هدى أو يذكرها. ولست أدري لماذا لا تكفُ ذاكرتي عن هذا الربط غير المفهوم بين هدى وستاو. طبعًا، لمن لا يعرف، هيريت ستاو. هي: كاتبة وروائية أمريكية، وناشطة في حركة التحرير من العبودية. والتي تجلّت في أبشع صورها في أمريكا أبان القرن التاسع عشر. كانت رواية، كوخ العم توم، التي كتبتها هيريت ستاو، تصّورًا فضيعًا لواقع العبودية والرق تجاه العرق الأسود في الولاياتالمتحدة. حيث صورتّ من خلال هذه الرواية ضروب المئاسي والمعاناة التي كانت تحدثها عنصرية البيض تجاه الأشخاص ذوي البشرة السمراء في أمريكا. متمتعين بتأييدات قانونية صريحة. كان لهذه الرواية تأثيرًا واسعًا وعميقًا، محدثة ردود أفعال كبيرة في الواقع الأمريكي. ويذكر أنها مثلت المطرقة التي هدمت تمثال العبودية، والشرارة الأولى للحرب الأهلية، التي انتهت بتحرير العبيد وإنهاء واقع الرق والعبودية في أمريكا، وإلى الأبد.
خلال العشر سنوات الماضية، شهدت اليمن تدهورًا فضيعًا بالنسبة لحقوق الإنسان. يومًا وراء يوم بدت تكبر وتتوسع دائرة الانتهاكات لحقوق الإنسان، دونما أي رادع. تزايدت هذه الانتهاكات مؤخرًا على نحو غير معهود، خصوصًا في المناطق المحررة من اليمن. وأبرزها عدن وما جاورها من مناطق. مرت على هذه المناطق سنوات ماضية، بدت كما لو أنها غابات وحوش، أو زرائب لحيوانات مفترسة، يأكل كبيرها صغيرها. حيث لم تبقَ هناك انتهاكات بحق الإنسان يمكن أن يتخيلها العقل إلا وشهدتها هذه المناطق. سجون سرية، اعتقالات، اختطافات، تعذيب، اغتيالات، وما إلى هنالك من انتهاكات. صمت البعض، وتجاهل البعض الآخر. وذهب أخرون بعيدًا مؤيدين هذه الانتهاكات والوقوف إلى صف مرتكبيها. غابت الشرعية، وبارك الانتقالي، وعن قرب كان التحالف يمتع ناظريه بفرجة لا سبيل لها.
هدى الصراري، تلك المرأة العدنية العنيدة، سليلة الجين الأول للشجاعة، حفيدة بلقيس، ورثية المرأة اليمنية الحرة. كانت هي ورفيقاتها أول من وقفنَ إلى جانب الضحايا، وناصرنَ المضطهدين، وأزرنَ بأقلامهن الشريفة أسر المخفيين قسرًا، والمغيبين خلف قبضان السجون الغادرة. كنَ أول الباصقات في وجوه أولئك المجرمين، وصدعن بأصواتهن الشاحبة باكرًا أمام جبروت العصابة. وبنضالهن الشريف مثلنَ العقبة العتيقة التي اصطدمت بها ظنون الجلادين.
تقف اليوم هدى الصراري في أوروبا، ممسكة بجائزة من أهم الجوائز العالمية في مجال حقوق الإنسان_جائزة مارتن اينالز_. كثاني جائزة عالمية تفوز بها، هدى، حيث فازت العام الماضي بجائزة_أرورا_. كنتائج لنضالها المضني الشريف في سبيل حقوق الإنسان اليمني، وكرامته وحقه في العيش بحرية وطمأنينة. بمثل هدى يمكن للأوطان أن تنتصر، وللحقوق أن تُؤخذ، وللحريات أن تُنتزع. لا يمكن لليمن أن تنتصر إلا إذا أصبح كل مواطن يمني في نضاله وبسالته وشجاعته كهدى. لم يسجل التاريخ قط بأن المتخاذلين، ذوي الأيادي المرتعشة، الواجفة قلوبهم، والمسكونين بالرعب. انتصروا لوطن ما. لم يحدث وأن سجل التاريخ شيء كهذا إطلاقًا.
في زمن غاب فيه الرجال، ظهرت فيه المرأة اليمنية كمناضلة جسورة قامت بالدور وأكثر. شاهدة على أن الانتصارات التي حققها اليمنيون على مر العصور، لم تكن لتتحق لولا المساهمات الكبيرة التي قامت وتقوم بها المرأة اليمنية في كل زمان ومكان. رب هدى خير من 20 مليون رجل.