أعلن الاتحاد الاوروبي قبل أيام قليلة فقط عن بدء تدخله عمليا على خط الازمة الليبية والبداية كما قيل ستكون بحملة بحرية واسعة تهدف الى منع تدفق السلاح عبر السواحل الى الداخل الليبي، على إثر ذلك بدا الرئيس التركي منزعجا جدا في خطاب تعليقه عقب ساعات فقط من الإعلان عن التحرك الاوروبي ذاك معتبرا ذلك الامر بمثابة التطور الخطير والعرقلة غير المقبولة أمام مساعي بلده الرامية الى تقريب وجهات النظر بين الاطراف الليبية المتصارعة وإنهاء القتال بينها حد زعمه. وعلى الرغم من تقليل البعض يومها لأهمية التصريحات الاوروبية المتصلة بالشأن الليبي والتي تناولنا حظوظها وابعادها قبل اسابيع ، إلا ان ردة فعل اردوغان الاخيرة إزائها أكدت بوضوح حجم القلق التركي الناجم عن ذلك التدخل الاوروبي حال استمراره،كما دعمت ايضا صحة أحاديث سابقة كانت قد المحت مرارا الى النوايا السيئة وراء التدخل التركي المفاجئ في ليبيا . اذ لامبرر يبدو طبيعيا هنا حتى يستدعي معه كل ذلك القلق والتخوف التركي المعبر عنه تجاه الخطوة الاوروبية هذه خصوصا وان الاوروبيين اكدوا من خلالها السعي فقط الى تجفيف منابع الصراع الليبي وقطع شرايين امداد السلاح هناك غير ان إستشعار الاتراك مبكرا لمحاولات تقويض نفوذهم في المنطقة ورفضهم لخسارة ملعب وبيدق مهم بحجم ليبيا في لعبة المقايضة مع الغرب والسعي لتحقيق حلم السلطان هو من دفع بأردوغان لمثل هذه النبرة الحادة في خطاب تعليقه على التحرك الاوروبي الاخير . ولتشابه المعطيات كثيرا بين الملفين ! نتوقع ذات الرد تقريبا فيما لو بادر الاوروبيون بنفس تلك الخطوة في الملف اليمني .. لكن من هي الجهة ياترى التي سوف لن يرقها التدخل الاوروبي في اليمن حتى تعبر عن استنكارها وتخوفها منه حال حدوثه؟ لا اتحدث هنا عن طرف محلي فهو معروف تقريبا بل اتحدث عن قوى إقليمية مستفيدة من إستمرار الصراع باليمن شمالا وجنوبا !.. شخصيا لا احبذ التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلدان ؛ عدا ان الإمعان السيئ في تدوير الازمات والإصرار الاسوء في إستثمار معاناة الناس في ظل تبادل الاتهام والتنصل عن مسؤولية كل مايحدث هنا سيجعلني حقا اتمنى ذلك التدخل ولو على مضض بغية كشف المتسترين خلف أقنعة الادوار المثالية والراقصين على اسطوانة إعادة الشرعية وإفشال المشروع الفارسي فيما لازالت تحكي حقيقة ادوارهم على الارض عكس ذلك الامر تماما .. وفي الحقيقة ان ثمة بالفعل تحركات مشابهه قد بدأت لتوها وهي ربما من سيحرك المياة الراكدة بهذا الملف .. فالخطاب الالماني الموجه للحوثيين قبل امس والذي دعى الى ضرورة عودة الجماعة الحوثية الى طاولة الحوار وتجنبها للتصعيد العسكري وكذا أهمية إبداءها مزيدا من الشفافية والوضوح فيما يتعلق بمصير المساعدات الانسانية المقدمة من الاممالمتحدة والدول الداعمة الى مناطق سيطرة الجماعة كان بمثابة قراءة المانية مبكرة وجرس انذار صديق من حليف غير معلن للحوثيين نحو الارتدادات المحتملة حال استمرارهم بالتصعيد؛ كما يمكن القول انها جاءت ايضا للتعبير عن قلق الماني حقيقي جراء تصريحات أممية اعقبتها اخرى اميركية تحدثت عن وجوب تقليص المساعدات الانسانية في المناطق الخاضعة لسلطة الانقلاب فضلا عن واقعة القبض على سفينة الاسلحة المتجهة الى مناطق النفوذ الحوثي والتي يبدو انها ايضا اثارت حفيظة الالمان هي الاخرى لاسيما وان برلين سعت كثيرا في التشكيك بدور التحالف في اليمن عبر استضافتها ودعمها لمؤتمرات وندوات سابقة تبنت معظمها خطابا مناهظا لدور التحالف العربي وواصفا عملياته العسكرية هناك بالعدوان وارتكابه جرائم ضد الانسانية ،فهل شعر الالمان بان موعد سداد الدين وساعة حليفهم بالداخل قد اقتربت فراحوا يوجهون له الرسائل من موقع الحريص والنآي بنفسه عن ممارسات ربيبه المتمرد؟ .. بيدا انها كما اشرنا ليست قوة واحدة بعينها من سيتضرر خاصة حال تدخل آخرون من غير الرباعية او حتى لوحوا بذلك ! فالتوتر الاخير الذي حدث بالمهرة قد شكل بالفعل قلقا واضحا لدى اكثر من طرف سيما وانه كشف عن خلاف اقليمي حاد لربما تمتد تداعياته الى اظهار حقيقة ادوار الدول الكبرى في هذا الملف الشائك حال تأزم الموقف هناك اكثر.. لهذا ليس مستغربا التحرك السريع حينها لوزير الخارجية الاميركي باتجاه الرياض ثم مسقط .. عموما ليست هناك مصلحة لدى الدول الكبرى بإنهاء الصراع اليمني سريعا طالما وان استمراره يدر عليها كثيرا من الاموال عبر صفقات السلاح وغيرها.. كل ما في الامر اننا سنظل نشاهد مزيدا من قرصات الاذن والصراخ الناجم عنها حتى نصل الى حالة من الصمم وفقدان الشعور بالالم حينها فقط يمكن الحديث عن توافق سياسي يقر ويستند الى وقائع الحالة الماثلة امامه والمضاعفات التي خلفتها على الارض وحتى ذلك الحين لن ينفك كل طرف محلي واقليمي وحتى دولي في تكرار محاولات قرص أذن الاخر وفضح دوره أملا بإزاحته او على الاقل تحييده مؤقتا ريثما يضمن موقعا اساسيا في معادلة الحل القادم ..