بعد إن وقعت (صنعاء) برمزيتها كعاصمة سياسية وتاريخية لنظام الحكم في اليمن في نهاية العام 2014م تحت النفوذ الحوثي الذي أخذ يتمدد بعدها نحو محافظات الشمال الأخرى القابعة خارج صنعاء، ومنها إلى الوسط والغرب والجنوب كما رأينا فيما بعد، صاحب ذلك تراجع جلي وحاد في نفوذ إخوان اليمن المتمثلين بحزب الإصلاح، فلقد اففتقدوا لنسبة كبيرة من عوامل قوتهم ومناطق نفوذهم وحواضنهم على طول وعرض الأرض الخاضعة للحوثيين، ولم يكن من خيار متاح أمامهم غير الفرار والهرب نحو مأرب شرقا، ومنها وعبرها وعلى ترابها عملوا على تجميع عناصرهم المشتتة، وما تبقى في أيديهم من قوة خائرة ومبعثرة، فأقاموا عليها معسكراتهم بصورة أولية ومتواضعة، وبالاعتماد على تأييد قبلي واسع وعلى إسناد عناصر إسلامية تدين بالولاء لهم، لذا يمكننا التأكيد الجازم على إن مأرب حينها لم تسقط تماما، كما حدث لدى غيرها، فقد أسهم انطلاق العمل العسكري السعودي وتبنيه الحثيث لقوى مسلحة مناوئة للحوثيين، إن جعل من مأرب بيئة ملائمة وصالحة للم شعث قوى الإخوان وترتيب صفوفها، الأمر ذاته الذي كان له عظيم الأثر في بذر عوامل التمكين للمشروع الإخواني، بالانطلاق من السيطرة على جغرافية المحافظة والتحكم بمواردها ومقدراتها، وجعلها في نهاية المطاف عاصمة للمشروع الآخذ بالتنامي. بالأمس القريب كانت فرضية تسليم عاصمة المشروع الإخواني (مأرب) للحوثيين ضربا من الخيال، بيد إن التطورات الأخيرة والمثيرة والتي صاحبها سقوط محافظة الجوف التي لا تقل أهمية عن مأرب المجاورة في أيدي الحوثيين، قد تنبؤ بمتغيرات لم يكن في حسباننا إدراكها من قبل، خصوصا وإن عملية السقوط تلك لم تكن لها مبرراتها ومقدماتها الكافية والمقنعة، إذ يعزو أكثر المهتمين والمراقبين للوضع هناك، ذلك الانهيار السريع لأسباب غير موضوعية، قد ترتبط بشكل وثيق بالصراع السياسي الراهن على الساحة المحلية وارتباطاته وتفرعاته. في أبسط التقديرات وأيسرها تسلم الحوثيين واستلامهم لمحافظة مأرب في أية عملية تسليم قد تحدث مستقبلا، لا يعني سوى رصاصة الرحمة التي ستطلق على المشروع الإخواني الذي بدأ قريبا وذاع صيته وتنامى رغم غرابته. تكرار تجربة الجوف وانسحابها على مأرب المجاورة، يحمل دلالات ومؤشرات شديدة الحساسية والتعقيد، إذ إن ذلك سيشير إلى إن البلد برمته مقبل على متغيرات وتحديات خطيرة، فالصراع سيتفاقم ويتمدد دون أدنى شك إلى محافظات لم تطالها الحرب الراهنة، ولم تطئها أقدام الحوثيين من قبل. لا إن الظاهرة اللافتة في الصراع هنا كما في كل صراع، استحكام الجانب السعودي بمقدرات وأبعاد ونتائج الصراع، وتفويت جميع الفرص على القوى المحلية في توجيه وتوظيف تداعياته وافرازاته بشكل فاعل وهادف. والله على ما نقول شهيد.