حرية الإعلام لها مقياس, وأهم شرط من شروط مقياسها هو المصداقية. والمصداقية ليست في النقل الآلي الأعمى للأقوال والأفعال من مصادرها دون تمعن أواقعية هي أم وهمية, واقعية تقوم على تنفيذ الأقوال وتحقيق الأفعال بما يعرف رب الأقوال بالأفعال. وإن جرت حرية الإعلام بهذا الشكل فإنها تضع لجهة ما اعتبارا خاصا للمصدر الرأي الواحد لاغية أية اعتبار للمتلقين من الشعب الرأي الآخر. سلوك يجعله ملتزم لذلك الطرف المنفصم عن الواقع يطبل له يمرر الأكاذيب بأي ثمن وإن كان على أشلاء المجتمعات ودمار الأوطان ويصير معول هدم تتجرع نتائجه الأجيال على مر التاريخ, أجيال بحاجة ماسة إلى رافعة بناء أساسه التفاعل الحضاري مع الأحداث تورث الإخاء والمحبة والتسامح والسلام. فالإعلام الحر تنتهي حريته عند اللحظة التي يصبح فيها طاحونة هوائية لجماعات متلاعبة تقربع لبعابعها لا يهمها التقلبات المؤثرة سلبا أيضا على أوضاعها نتيجة الفشل تلو الفشل والهزيمة تلو الهزيمة تجنيها من أكاذيب ليس في مقدورها سوى الوقوع في أضاليل أكبر تظن أن بواسطتها تتمكن من تجاوز نتائج تلك الأكاذيب. الإعلام المسئول إعلام ملتزم بحد ذاته يطرق كل الأبواب حتى تلك التي في البلدان التي تعاديه وتخاصم دولته وبلده, منفتحا يراعي في نقله للأخبار الأوضاع السيكولوجية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمتلقين قبل المصادر يحلل ويدقق ويركز على المقبول والمعقول ويحذف الأقوال المستفزة والتي يصعب أو يستحيل ربطها بأفعالها. وبذلك فهو يخلص أصحابها من حرج عدم القدرة على الإيفاء بالأقوال والوعود. الإحساس بالمسئولية الإعلامية وأهمية الإعلام المسئول عن جميع الأحوال يجعله عمليا ملتزما واقعيا غير سفسطائيا يعكس الصورة الحقيقية لحرية الإعلام. بعكس الإعلام الحر المجرد من الإنسانية نجده يتغنى بحقوق الإنسان ولا يحترمها ليتستر على تجرده من المصداقية والمسئولية كتعبير عن حرية الإعلام التي يجب أن تكون الأنباء متناقضة باستمرار قل ما شئت ترهق به المجتمع ولا تفعل أي شيء يثقفه ويخدم مصالحه. والشواهد عديدة لا تغيب عن سمع وبصر الشعوب في ظل الثورة المعلوماتية, ماثلة أمامها في عصر تكنولوجيا المعلومات عصر الفضائيات والإنترنت إلا من ارتضت أن يستهتر حزب أو جماعة.