تطل علينا هذه الأيام ذكرى رحيل الرئيس المناضل الجمهوري القاضي عبد الرحمن الارياني طيب الله ثراه، وهو واحد من أعلام الثورة اليمنية السبتمبرية الخالدة، بل انه ربانها الحكيم الذي اوصلها الى بر الأمان. ساهم الارياني في النضال ضد الامامة الكهنوتية منذ زمن بعيد وهو ما زال في ريعان الشباب، فقد كان شغله الشاغل تخليص الشعب اليمني من ظلم الامامة وطغيانها على الناس، وبسبب مناهضة لنظام الامامة الجائر تعرض القاضي الارياني إلى السجن لسنوات عديدة مع مجموعة من الاحرار والمناضلين اليمنيين في سجن حجة سيئ الصيت. كان الرئيس عبد الرحمن الارياني مناضلا شامخا شموخ حصن اريان الذي ولد فيه، وكان مدني السلوك تغلب على شخصيته النزعة الى الجمال والتجدد متأثرا بجمال الأرض والبيئة التي نشأ فيها وكل ما تحويه محافظة اب من شلالات ومروج خضراء وسواقي وينابيع واودية وجبال خضراء تناطح قممها سحب السماء. كان الارياني زعيما دينا وقاضيا بارعا مشهود له في سلك القضاء وفوق ذلك كان اديبا وشاعرا حرا ندد بمظالم الامامة الكهنوتية بقصيدة مشهورة مطلعها " إنما الظلم في المعاد ظلام.. وهو للملك معول هدام ". ومن تلك القصيدة البيت الذي طارت شهرته في أرجاء البلاد واصبح اغنية ترددها السن الناس ضد الظلم والطغيان عبر الزمن. " أنصف الناس من بنيك وإلا.. أنصفتهم من بعدك الأيام". من المواقف الخالدة للرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني دوره البطولي في الصمود الأسطوري وفك حصار السبعين، كانت عقليته الوقادة والمفعمة بالذكاء والحكمة وحسن التخطيط والتدبير تفوق قذائف الدبابات و طلقات الرشاشات و دوي المدفعية في ساحات النضال ضد القوى الامامية الظلامية المتخلفة، فقد تمكن من فك حصار السبعين وإنقاذ الثورة والجمهورية من خلال دهائه السياسي بعد أن اقنع قادة الفلول الامامية المحيطة بالعاصمة صنعاء بالانضمام الى الصف الوطني الجمهوري والتخلي عن مناصرة الامامة السلالية الخبيثة. هذه الحقيقة لا يعرفها كثير من الناس، لكنها شهادة لله ثم للتاريخ أن الرئيس الارياني كان بطل السبعين ومنقذ الجمهورية قولا وعملا. عرف عن الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني انه مؤسس النظام الجمهوري في اليمن، وقال عنه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إنه الرجل الحديدي، الذي أسس على يديه مؤسسات الدولة الجمهورية الحديثة على أنقاض الامامة الكهنوتية العفنة. تولى الارياني منصب رئيس الجمهورية العربية اليمنية في 5 نوفمبر عام 1967م، كانت زعامة القاضي الإرياني محل إجماع من كل القائمين على حركة التصحيح لما كان يمثله من دور تاريخي ، ومكانة علمية وعقلية حكيمة كانت ضرورية لتجاوز مرحلة الخطر. وقد تم تشكيل المجلس الجمهوري كقيادة جماعية برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني وعضوية أحمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان .. وتولى محسن العيني رئاسة الحكومة. أنجزت في عهده الكثير من أساسيات الدولة اليمنية الحديثة، وكان له الفضل في المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين والتي أنقذت اليمن من اتون الحرب الأهلية المخيفة. بل انه أرجع للملكيين الكثير من ممتلكاتهم التي صادرتها الثورة مما عجل في التئام الجراح وايقاف نزيف الدماء. في عهده تم صياغة أول دستور يمني حديث وانتخاب أول مجلس شورى. كما تم في عهده وضع اللبنات الأساسية للوحدة اليمنية من خلال اتفاقيتي القاهرةوطرابلس. ترأس الارياني وفد الجمهورية في مؤتمر حرض أمام ممثلي النظام الامامي عام 1965م، ورفض اقتراح المملكة العربية السعودية القاضي باستبدال اسم الجمهورية العربية اليمنية بالدولة الإسلامية اليمنية رغم موافقة الجانب المصري على ذلك. هذا الإصرار يحسب للرئيس الارياني، فلولا ذكائه لضاعت الجمهورية وضاعت الهوية الثورية اليمنية وضالع النضال الأسطوري برمته. فسلام على الرئيس القاضي الثائر عبد الرحمن الإرياني، يوم ان ثار على الامامة الكهنوتية، وسلام عليه يوم ان فك حصار السبعين وانقذ الثورة اليمنية، وسلام عليه يوم أن أسس مداميك النظام الجمهوري في اليمن، وسلام عليه يوم أن رفض مقترح تغيير اسم الدولة اليمنية الفتية وأصر على التمسك بالهوية الجمهورية، وسلام عليه يوم أن سلم السلطة بطريق سلمية لاحد رجاله المخلصين الشهيد إبراهيم الحمدي، وسلام عليه يوم ولد ويوم أن مات ويوم يبعث ثائرا حيا.