يمر اليمن في الوقت الراهن بمرحلة مفصلية وخطيرة ، تحتم على المملكة العربية السعودية إعادة تقييم سياستها تجاهه ، بنوع من الموضوعية والتجرد العلمي والسياسي ، بما يمنحها القدرة على التعامل الصحيح مع كل ما تشهده الساحة اليمنية ؛ لإخراج اليمن من دوامة الحرب التي تعصف به ؛ وإلا فإن النتائج ستكن وخيمة ، والأضرار التي ستطال اليمن والسعودية ستكن جسيمة ، جسامة أخطاء السياسة السعودية تجاه اليمن ، قصدت أم لم تكن مقصودة ، والتي غيبته عن الأمن والاستقرار لفترة ليست بالقصيرة. جانبت الرياض الصواب حين تساهلت منذ البداية في مؤازة السلطة الشرعية ؛ لصد انقلاب الحوثيين على الدولة واستيلائهم على السلطة بالقوة ، وجانبته أيضا عندما أرادت الوقوف مع الشرعية اليمنية لإعادتها واسترداد مؤسسات الدولة المغتصبة ، وذلك عبر ريادتها لعمليات عسكرية مباشرة ، ذات كلفة عالية ، أكسبت الحوثيين مكاسب جيوسياسية ، لم يكونوا ليحصلوا عليها، لولا التدخل العسكري السعودي ، الذي حول الحوثيين لدى المغرر بهم من أتباعه وأنصاره ، من مليشيات انقلابية معتدية ، إلى فصيل وطني معتدى عليه ، يدافع عن الوطن ضد ما يسمونه العدوان الخارجي ، وجعل الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ، التي تقف في طريق المليشيات مرتزقة للعدوان ، ما مكن الانقلابيين ، من استمرار الحشد لساحات القتال ومنحهم صمودا أكثر ، مستغلين عواطف وجهل كثير من أبناء القبائل ، ومن الأهمية أن نشير ، إلى أن العمليات العسكرية للتحالف العربي ضد الحوثيين، سوقت لهم في الخارج ، وسلطت الأضواء عليهم ، وجعلتهم محل تواصل واهتمام أطراف دولية ، إضافة لإعطائهم بعدا دوليا ، يكونون من خلاله تحالفات ، تنقل الملف اليمني من انقلاب لمليشيات خارجة عن الدستور والقانون لتسوية وتفاهمات دولية وإقليمية ، لا تسقط الانقلاب، ولا تسمح للشعب اليمني بإسقاطه.
كان الأحرى بالرياض لإستعادة الدولة وإسقاط الانقلاب ، أن ترعى قيام انتفاضة وثورة شعبية ضده ، وأن يقتصر دعمها ، على إخراج سلاح الجو اليمني عن الفاعلية ، ومساندة القوى الوطنية المناهضة للانقلابيين، ودعم القادة العسكريين الوطنيين ؛ للملمة الجيش الوطني وإعادة ترتيب صفوفه ، مع إمداده بما يحتاجه من سلاح ؛ لحسم المعركة وإسقاط الانقلاب ، وبسط السيطرة على كامل التراب اليمني ، قاطعة الطريق أمام تدويل الشأن اليمني وارتهانه لحسابات إقليمية ودولية ، بعيدة كل البعد عن مصلحة اليمن وجيرانه.
أن تكن المملكة العربية السعودية ، هي الدولة الأبرز ذات التأثير العميق في الشأن اليمني ، لا يجعلنا نجافي الحقيقة ، حين ننظر لليمن بأنه مشكلة سعودية بامتياز، فالسعودية في نظر كثير من اليمنيين ، هي صانعة لأحداث المشهد وللأبطال الذين يؤدون الأدوار على خشبة المسرح اليمني ، المألوف جدا لدى كتاب السيناريو في الرياض ، كل من اليمن والسعودية يمثل عمقا استراتيجيا بالنسبة للآخر ؛ ولذلك كانت ومازالت الرياض لاعبا أساسيا في الأحداث اليمنية ، وحاضرة بقوة في تفاصيلها ، بيد أن السياسة السعودية تجاه اليمن ، تشهد في الآونة الآخيرة خريفها ، الذي تحصد فيه نتائج أخطائها المتراكمة ، لما يزيد على خمسة عقود ؛ لأن جل محدداتها في تصوري لم تكن مدروسة ، كانت مبنية على ظروف وملابسات آنية، لا تضع في الحسبان الآثار البعيدة المدى لتلكم السياسة، ولا انعكاساتها على الأمن القومي اليمني والسعودي بمفهومه الشامل ، الأمر الذي جعل اليمن ساحة مفتوحة لتداعيات كارثية ، باتت تهدد ببتر اليمن من الجسد العربي ، وتحويله لنقطة ارتكاز متقدمة تستخدمها إيران ؛ لالتهام ما تبقى من الكيان العربي في الجزيرة والخليج .