عندما تقف عقولنا عن الحوار تتصادم أبداننا ، كثير من مشاكلنا تنتج ؛ لأنا نتحدث عن بعض لا مع بعض، تتصادم مواقفنا وأفكارنا ورغباتنا وأهوانا في مسرح الحياة مع الآخرين ، فينشأ الاختلاف ويتطور ليصل لمستوى النزاع ثم الصراع ، وهنا يأتي دور الحوار ليجعل النزاع والصراع في مناطق مأمونة ، تحفظ للجميع حقهم في الاختلاف ومساواتهم في الحقوق والواجبات. لا يقبل بالحوار إلا من يؤمن بالحرية والديمقراطية والتنوع ، ويؤمن بوجود الآخر ،روكما يدافع عن حقوقه وحرياته ، وفهو أيضا يرى بأنه لن يحصل عليها إلا عندما يحصل عليها الجميع. للحوار لغته التي تعتمد على الحجة والمنطق والدليل بأسلوب هادئ رصين ، يسمح للآخر بعرض رأيه دون خوف أو تحفظ بحيث تكن الأراء مبدئيا للعرض لا للفرض للإعلام لاللإلزام زوكما أن المتحاورين الحريصين على إنجاح الحوار عليهم البناء على المشترك المتفق عليه وترحيل المختلف فيه ، والعمل على تضييق مساحة التباين لأقصى حدد ، بيد أن من المؤسف أن يرى البعض في الحوار مع الآخر جزءا من معركته معه لا جزءا من الحل ، فينظر للحوار بأنه تكتيك ينتزع من الآخر اعترافه به فقط أو طريقا للحصول على مكاسب ما، بغض النظر عن الوصول لتفاهمات أو حلول تنهي جذور المشكلة المتحاور عليها ، وهذا النوع من الحوار يسلكه السياسيون أو ممثلو الأحزاب السياسية أو المكونات القبلية والطائفية في صراعها مع الآخر. في ديننا الإسلامي ما يدعو لجعل الحوار هو الوسيلة المثلى لحل الخلافات أيا كان نوعها ، فالشورى أصل من أصول الحكم نموذج لحوار نخبوي متصل بشؤون الدولة والمجتمع اندلعت الحروب وسالت الدماء ، كنتيجة حتمية لغياب الحوار البناء المسؤول المحتكم للدليل والحجة والباحث عن الحل لا المكسب المعتمد على قوة المنطق لا منطق القوة ، كم نحن أحوج لهذا الحوار في هذا الظرف العصيب الذي تمر به بلداننا العربية.