من خلال الإطار الفكري للمرء تستطيع أن تفسر مسلكه ومواقفه ومواقع تخندقه وأن تقرأ أفكاره. الفكرة التي يحتقن بها الإنسان هي البوصلة التي تحركه وترتب علاقاته. ونحن على تقصيرنا وخطايانا وسقطاتنا، نشأتنا ووجهتنا إسلامية، نشأنا على القرآن الكريم والمسجد وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته ومحبة الصحابة والتابعين والفاتحين والعلماء من الأئمة المهديين. تشبع وجداننا بأخبار الرسل وقضاياهم الكبرى، فنحن متخندقون مع نوح في دعوته وصراعه، فكنا معه في كل مواقعه حتى لحظنا الطوفان ينتصر لقضيتنا، وكنا في الأحقاف نكابد مع هود، وعشنا في الحجر، وتابعنا مؤامرة التسعة الرهط الذين حاولوا تدمير مشروعنا مع صالح ثم جاءت الصاعقة فهللنا لها وكبرنا. وهكذا فرحنا بيوم الظلة، وابتهجنا بهداية قوم يونس، وكانت نهاية سعيدة لدعوتنا. وعشنا مع الطفل موسى، فكنا نضع أيدينا على قلوبنا وهي وجلة على ذلك التابوت الذي تتقاقذه الأمواج حتى وصل إلى مرساه في بيت الطاغية فرعون وهو تدبير إلهية ومكر رباني للإعداد والتمهيد لتغيير ضخم عشنا أجمل فصوله، وكنا شركاء محنته، فانتشينا بأخينا مؤمن آل فرعون وهو يسطر أروع آيات البيان والثبات الدعوي، وصولا إلى صبيحة عاشوراء ساعة الغرق الكبير، وتنقلنا مع مشروعنا في سيناء وتألمنا لتعثراته من قبل بعض الأتباع هناك، وهكذا كنا نجتاز النهر مع طالوت بصحبة ذلك الشاب الوضيء الذي سيكون الملك المحبب إلى قلوبنا داؤد، وتسلمنا الراية مع سليمان وعشنا نكبة زكريا وولده يحيى ولم نغب عن مشروع عيسى. حتى جاء التغيير الكوني العظيم فشهدناه لحظة لحظة منذ زواج آمنة حتى يوم الاثنين الذي أظلمت فيه المدينة برحيل صاحب الدعوة، كنا معه نحاور عتبة ونذهب إلى الحجاج ونسافر إلى الطائف ونرسل المضطهدين إلى الحبشة ونواسي بلال وآل ياسر حتى شهدنا ليلة العقبة تحت ضوء القمر وحضرنا تلك البيعة التي غيرت مجرى التاريخ. وتحولت دعوتنا من( دعوة ) إلى دعوة تقوم عليها (دولة)، فشددنا الرحال إلى المدينة وأنشأنا دولتنا على تلك القرية التي ستأكل القرى، فأحببنا السعدين وابن الحضير وعباد بن بشر وبني النجار وبني ساعدة وبني عبد الأشهل وبقية الأنصار والمهاجرين، وشاركنا بوجداننا في بدر وأحد والخندق، وسرنا نحو الحديبية ورجعنا إلى خيبر وزحفنا على مكة وحاصرنا الطائف واستقبلنا الوفود. ثم كنا مع أبي بكر في حروب الردة وشاركنا الفاروق في فتح العراق وكنا مع خالد وسعد وابن مقرن والمثنى والقعقاع وأبي عبيد صاحب الجسر وفتحنا مصر مع عمرو، وهكذا نبتت أفكارنا مع الحسن وابن سيرين وابن المسيب وعقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق وقتية بن مسلم وابن القاسم والأئمة الأربعة وأحببنا البخاري ومسلما وبقية العلماء والمحدثين. تخندقنا في صراعات الدعوة الإسلامية طول تاريخها في خندق محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وكانت رايته هي المغناطيس الذي تتجه إليه قلوبنا وتشخص نحوه أبصارنا، فواجهنا الحملات الصليبية وكنا مع بني عثمان يوم القسطنطينية وفي معركة بلغراد وكوسوفا وزحفنا نحو أوربا مع سليمان القانوني. وعلى الجناح الغربي كنا مع ابن تاشفين وابن أبي عامر وابن العربي والقرطبي هذه هي وجهتنا وثقافتنا ومخزوننا الفكري والحضاري الذي يوجه حياتنا ويفسر حركتنا، فلأتعجب إن رأيتنا في مخيمات السنوسية وعلى ظهور إبل نجد مع الوهابية وفي شوارع القاهرة والإسماعيلية ودمياط والإسكندرية مع إخوان حسن البنا أو نمخر أفريقيا مع الدعاة السميط وسوار الذهب وإخوانهم أومع التبليغيين في القارة الهندية نتنقل في مدنها وقراها وعلُى ضفَافَ أنَهارها أو في مظاهرات وطوابير الاقتراع مع أربكان وأردوغان أو في غزة نزحف تحت أنفاق حماس ونهلل ونكبر لصواريخها. نحن هؤلاء ولن نكون إلا كذلك بإذن الله ولا محيص لنا من هذه المنطقة التي اخترناها، فهي قدرنا ونحن قدرها. فإذا أردتم أن تفسروا سلوكنا ومواقفنا ووجداننا وارتباطنا فهاكم خريطتنا الوجدانية والفكرية. ليسهل عليكم التفسير. أبو زين ناصر الوليدي