إن كان ثمّة ميزة حسَنة قد تركها الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد مقتله، فهي أنه قمَعّ أولاده لِئلا يكونوا متغطرسين وهمج في فترة حكمه كما فعل ويفعل بعض أولاد المسئولين ممن هم أدنى مرتبه من صالح، وكذا كان بفعل أولاد الشيوخ والعسكر والنافذين وكبار الفسدة. ومن أولاده السفير السابق أحمد الذي لا شك أنه تربّحَ مالياً وكسَبَ أموالا طائلة وتقلد منصب عسكريا حساس حينها" قائد الحرس الجمهوري" أثناء فترة حُكم والده واستثمر تلك الأموال بالداخل والخارج وما يزال بمعية أقاربه ورفاق والده وبعض قيادات حزبه، وهذه حقيقة لا يقوى على إنكارها المذكور أو أكبر المؤيدين له من حزبه وقبيلته وأركان النظام السابق، غير أن خُلقه وتعامله المهذب مع الآخرين قد شفع له بعض الشيء عند منتقديه، دون أن يعني هذا إسقاط حقوقهم بالمطالبة بالأموال التي أستحوذ \ استحوذوا عليها، ومستفيدا من الغطاء السياسي الإماراتي الذي يحظى به. ما دعانا للحديث عن السفير السابق أحمد هي الرسالة التي وجهها اليوم شاكرا فيها كل مَن ساهمَ بحملة رفع العقوبات الأممية عليه التي انتهت دون جدوى يُذكر، وشاكياً من استمرارها ومِن الجهات التي دعَتْ الأممالمتحدة الى فرضها عليه وعلى والده عام 2014م باعتبارها وسيلة كيدية تعسفية واستهدافا شخصيا وحقد سياسي بحسب تعبيره، في تلميح واضح لحزب الإصلاح وعلي محسن الأحمر والرئيس هادي، برغم أنه أقّرَ في رسالته أنه يعترف بشرعيته - ولو على استحياء ومضض-.! - أحمد علي صالح يعرف جيدا أن إنهاء العقوبات الأممية عليه كما هي على بعض من حزبه و على بعض القيادات الحوثية مرهونا بوقف الحرب وبالبدء بتسوية سياسية شاملة،غير أنه رأى ضرورة توجيه شكر لأصحاب الحملة الإعلامية لشطبه من قائمة العقوبات، خصوصا وأن قيادات وجمهور لا بأس به من حزب الإصلاح شارك بتلك الحملة في غَزَلٍ سياسي واضح من حزب الإصلاح لاستمالة موقف المؤتمر الشعبي وقواته العسكرية التي يقودها العميد طارق صالح لشد عضده -أعني حزب الإصلاح- في أزمته العويصة في مأرب. -هذه الرسالة كما يبدو من مفرداتها المختارة بعناية لم تكُن لتقديم الشكر لإصحاب حملة التضامن معه وحسب، ولا فقط لتجديد الجأر بالشكوى من استمرار العقوبات بل كانت فرصة لبعث رسالة سياسية تصالحية هادئة مع الجميع بمَن فيهم الحوثيين, فهي لم تحمَل على أحدٍ بمَن فيهم هؤلاء الآخرين، ولا فضّل فقط التلميح واللمز للإصلاح دون أن يعمد لمهاجمته صراحة، ودعَت " الرسالة" بشكل راقٍ الى وقف الحرب والدخول بتسوية سياسية ونبذ العنف والتخلي عن الضغائن والأحقاد بحسب تعبيره. وهي لغة يشعر المؤتمر الشعبي العام بأنه بأمس الحاجة لها اليوم لتحسين صورته التي تمزقت وتناثرت بكل الجهات بالأعوام التي تلت ثورة 2011م وبعد الضربة القاصمة التي أتت عليه بحرب2015م، وما خلّفه الطلاق الصادم مع شريكه اللدود الحوثيين نهاية 2018م، وإن لم يكن طلاقاً بائنا حتى اليوم... فالمؤتمر الشعبي العام - الذي أرتكب أخطاءً وخطايا تاريخية في مسيرة حكمه الطويلة كان أبرزها انقلابه الكارثي على مشروع الوحدة عام1990م وغزو الجنوب عام 94م، ورفضه بعد ذلك دعوات المصالحة الوطنية التي يدعوا لها اليوم السفير أحمد علي برسالته هذه، والتي كان الجنوبيون يطلقونها بُعيد حرب 94م، وهيمتنه أي المؤتمر الشعبي على مؤسسات الدولة وإفشاله لكل الجهود الوطنية التي بُذلت بعد عام 90م لإقامة دولة مدنية حديثة بعيدة عن سطوة القوى العسقبلية الدينية التقليدية الفاسدة التي عرَشَها المؤتمر وشريكه حزب الإصلاح - قد أصحب اليوم هشيما تذروه رياح الداخل وعواصف الخارج، ولن يبث الروح فيه من جديد سوى خطابٌ تصالحي مِن على شاكلة ما ورد بهذه الرسالة لعلهما تصلح ما أفسده حُكم ثلاثة عقود من الفوضى والاحتلال والفشل.