في الحين الذي يعتبر فيه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هزيمة إستراتيجية للولايات المتحدة وانتصارًا لحركة طالبان، يستحضر العالم مشهد سقوط سايغون في فتنام، ويكشف فشل استراتيجية السلام الأمريكي باكس أمريكانا في الشرق الأوسط. تعتبر دراسة نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث أنها لم تفشل فقط بسبب حركة طالبان التي ظلت تقاتل خلال عشرين عاماً بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والسيارات المفخخة ضد القوات الأفغانية والأجنبية، لكن هناك أسباب أخرى تتشابه كثيرًا مع واقع الحكومة اليمنية. نقاط عمياء تعامل الولاياتالمتحدةالأمريكية مع أفغانستان وفق سياسة متحيزة، حيث ذهبت لتأسيس سلطة مركزية قوية، ودعمت دستورًا الرئيس سلطات كبيرة، وهو ما ادى اعطاب عجلة التطور الحزبي والبرلماني في البلاد. يشير مركز ابعاد للدراسات والبحوث أن أفغانستان قد تعثرت منذ البداية بسبب النقاط العمياء في الرؤية الأمريكية المتحيزة، حيث كانت رأت واشنطن أن الحل مشاكل أفغانستان في سلطة مركزية قوية، فذهبت تدعم دستوراً يمنح الرئيس سلطات واسعة. وقد أدى ذلك، مع النظام الانتخابي المربك، إلى تقويض تطور الأحزاب السياسية والبرلمان. وأشارت الدراسة الى أن "الدولة القوية تطلب مؤسسات قانونية رسمية – وإن كانت الولاياتالمتحدة قدمت دعما بإخلاص للمحاكم والقضاة وأشكال أخرى من هذا القبيل". وكانت الولاياتالمتحدة قد أنفقت حوالي 900 مليون دولار لمساعدة الأفغان على تطوير نظام قانوني رسمي، لم يعجب ذلك الأفغان الذين كانوا معجبين بالأحكام -الإسلامية- التي تصدرها حركة طالبان. بحسب الدراسة وقالت "أدى دفع الولاياتالمتحدة ببرامج تهدف إلى إعادة هندسة الثقافة الأفغانية والأعراف الجنسانية، إلى استياء السكان. إذ عكست هذه الخيارات غطرسة القوى الغربية ومحاولة تغيير الهوية الوطنية والقومية في أفغانستان ومحو الثقافة والتقاليد الأفغانية". وأضافت "كان ذلك في ظل نشاط حركة طالبان في القبائل خلال عشرين عاماً، وهو ما وجدت على إثره ترحيباً شعبيا مع بدء الانسحاب الأمريكي". انهيار عسكري انسحبت القوات الأمريكية لتترك واشنطن رسائلها السلبية على المستوى السياسي والعسكري في كابل، وهو ما تحول سلبًا على موقف الحكومة المركزية، ناهيك عما تعانيه الحكومة من فساد كان قد وصل الى المؤسسة العسكرية. بحسب الدراسة أنه "لا يمكن إلقاء اللوم على الجيش الأفغاني وحده، ولكنه يتقاسم ذلك مع الولاياتالمتحدة التي تركته وقدمت رسائل سلبية سياسياً، وعسكرياً، كان سببًا مباشرًا لفشل الحكومة السياسية المركزية في كابل التي عمقت فسادها ليشمل المؤسسات العسكرية". فيما أوضحت الدراسة أن هذه الرسائل السلبية تتمثل بتلك التي قدمها اتفاق السلام بين طالبان والولاياتالمتحدة في فبراير/شباط2020، حيث وضع تأريخاً لخروج القوات الأمريكية، وهو ما أدى إلى فقدان الجيش الأفغاني –وتعداده الرسمي أكثر من 300 ألف– إلى الدعم اللوجستي والصيانة للمعدات. وأشارت الى أنه "مع مغادرة المقاتلين العسكريين الأمريكيين ال17000 الأراضي الأفغانية، لم تتم صيانة معدات الجيش الأفغاني، بما في ذلك الطائرات المقاتلة "بلاك هوك"، كما لم يحصل الجيش الأفغاني على دعم الطائرات دون طيار". وقالت "عقب اتفاق السلام، قلصت الولاياتالمتحدة والقوات الغربية من عملياتها الجوية ضد حركة طالبان التي كثفت هجماتها على الجيش الأفغاني، ومع شعور قوات الأمن والجيش الأفغانيين أن القوات الأمريكية تغادر، لم يعدوا يحصلون على الدعم الجوي في ظل سقوط عشرات الجنود بشكل يومي برصاص "طالبان" وسياراتهم المفخخة، أدى ذلك إلى تحقيق الحركة انتصارات متتالية، ونتيجة لذلك بدأ الجنود بالاستسلام ومغادرة مواقعهم". فيما أرجعت الدراسة السبب وراء انهيار الجيش الأفغاني الى الفساد المستشري في حكومة "أشرف غني" الذي تدفق إلى القيادة العسكرية العليا وعطل القوات على الأرض بشكل لا يمكن إصلاحه، شمل ذلك تقليص "تغذية الجنود"، وتقليص الذخائر وما الى ذلك من مستلزمات المعركة. فساد الدولة من الطبيعي أن تفشل الدولة في إدارة نفوذها كنتيجة طبيعية لبلوغ الفساد السياسي والإداري ذروتهما، وهنا تكون هوة سقوط الأنظمة كبيرة وحتمية، حيث تنهار المؤسسات وينعكس على الواقع المعيشي للإنسان الذي بدوره يفقد ثقته بالدولة وسياساتها، فتفقد على ضوئه الدولة شرعيتها. تقول دراسة مركز ابعاد "قوض الفساد المنتشر داخل مؤسسات الدولة شرعية الحكومة الأفغانية، بما يشمل السلطة القضائية، حيث يضطر السكان للرشوة والمحسوبية لتمرير قضاياهم، وهو ما ألجئهم إلى محاكم حركة طالبان، والأعراف القبلية الأمر الذي عزز الدعم الشعبي للحركة". وأضافت "وبسبب الفساد وجِدت أموال أمريكية ضخمة طريقها إلى "حركة طالبان". كما قوض الفساد الثقة في جهود إعادة الإعمار الدولية وفي المصداقية الغربية". وأشارت الدراسة الى "تشابه تجربة الحكومة اليمنية مع السلطات الأفغانية في الفساد المستشري الذي رعته قيادة التحالف العربي بشكل غير رسمي، لتتمكن من الحصول على ولاءات قيادات عسكرية وقبلية مؤثرة. وأردفت "كما ان دعم دولة الإمارات لتمرد الانتقالي في عدن، أفشل استقرارا كانت الحكومة تحتاجه، الامر الذي أفشلها في تقديم تجربة جيدة للحكم والسلطة والمساءلة في مناطق سيطرتها". وتابعت "الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية والتي تعاني من تعدد الولاءات، يعاني هو الآخر من مشكلات متعددة متعلقة بالفساد والأسماء الوهمية وضعف التسليح، وقلة الذخيرة الحية وقطع الدعم الشامل له بما فيها التغذية اليومية . وتشير الى ان معظم الجنود الذين يقاتلون في الجيش الوطني شرقي البلاد يتلقون راتباً كل بضعة أشهر، زفي حال قررت السعودية وقف الدعم الجوي فإن القوات الحكومية ستعاني كثيرا كونها تعرضت لضغط كبير بسبب إيقاف تسليحها ودعمها، وهو ما يجعل المعركة مع الحوثيين أكثر صعوبة.