صدور رواية تشادية باللغة العربية، يثلج الصدر، والأجمل أن هناك عددا من المبدعين التشاديين يكتبون باللغة العربية، وهذا يؤكد ابتداء جهلنا بهذا البلد الأفريقي، وعدم اهتمامنا بتاريخه وتراثه وثقافته، ويدل في المقابل، على تجذر اللغة العربية في تشاد وحضورها في الأدب والصحافة، وحديث الشارع وفي المؤسسات الرسمية أيضا؛ إذا أنها لغة رسمية بالإضافة إلى الفرنسية. «السيمفونية» تعني مُؤَلَّفْ موسيقي لغايات الأوركسترا، وبالعربية «إنشاد جماعي» ولذا فإن «سيمفونية الجنوب» يعني موسيقى الجنوب، أوركسترا الجنوب، إنشاد الجنوب، ومعظم ما تعلق بالجنوب في الرواية جاء ليترجم هذا المعنى، فثمة نغم طروب في كل ما يتعلق بالجنوب؛ صوتا وصورة وإحساسا، فكل ما في الجنوب يتآلف ويتناغم ليؤدي لحنا جميلا بهيا، لكأن الإنسان هناك جزء من الطبيعة، يتوحد معها وبها، فلا وجود له دونها، وثمة عشق متبادل بينهما، هذا العشق الذي ولد موسيقى جنوبية تسلب الألباب، وتجذر التعلق بالجنوب والحب للجنوب، وأنت تقرأ في الرواية عن الجنوب، فإنك تقرأ معزوفة موسيقية وتسمع لحنا شجيا. حملت الرواية على عاتقها مهمة غاية في الأهمية، فهي أشبه بمفتاح وبطاقة للتعريف بتشاد للقارئ العربي، خاصة لمن لا يعرف تشاد؛ فقد أشارت الرواية إلى الانقسام بين الشمال والجنوب، الذي يغذيه اختلاف اللغة والدين والأعراق وطبيعة المنطقة، وهذا الاختلاف يبدو أنه سمة كثير من الدول، بل العالم كله؛ فالشمال يختلف عن الجنوب، وثمة فوارق كبيرة، والغلبة للشمال من حيث التطور والخدمات والصناعة، ومراكز السلطة والنفوذ. لكن البساطة والجمال والعفوية والدفء والعلاقات الإنسانية سمة جنوبية. وفي تشاد معضلة شمالية جنوبية، تؤدي إلى الفرقة والصراع وتخوف كل جانب من الآخر. ركزت الرواية بوضوح وبومضات سريعة، على الصراع السياسي والعسكري في الشمال، الذي وقع ضحيته الشعب المسكين، وأورث البلاد التمزق والفساد والترهل والتخلف وإهمال الخدمات العامة، والاهتمام بالقشور، وسيطرة القوى الحزبية واحتكارها النفوذ والسلطة والامتيازات على حساب المواطنين. كان لافتا في الرواية الوصف الجميل المدهش للطبيعة في الجنوب؛ للأشجار، للماء، للطيور، للحيوانات، للأكواخ، لأساليب العيش، للطرقات، للطقوس المختلفة، للصيد، للغناء، للرقص، للطبخ، للنوم، للعلاقات الإنسانية، للاجتماعات العائلية، للصداقات، للمزارع، للمواسم، للطقس، للسماء ليلا ونهارا بما فيها من قمر ونجوم وشمس وغيوم، وغيرها. تناولت الرواية باستفاضة إشكالية الصراعات الأسرية وأسباب الخلاف والغيرة والحسد، خاصة في الشمال، فشخصيات حامد وموسى وتانكيه كانت ضحية صراعات أسرية، اضطرتهم إلى النزوح إلى الجنوب، فكان الجنوب الدافئ المترابط هو الحضن والملاذ لهؤلاء حين لفظتهم أسرهم، وتخلى عنهم الشمال.