قال الكاتب السعودي جمال خاشقجي إن المملكة العربية السعودية لن تسمح بهيمنة إيرانية على «شامها ويمنها» وذلك وفقاً لقاعدة ثابتة ومتفق عليها. وأشار إلى عدم صدور تصريح سعودي رسمي يفصّل موقف المملكة حيال حدثين يهمانها حصلا الأسبوع الماضي، هما انتخاب حليف «حزب الله» الجنرال ميشال عون رئيساً للبنان، وإعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ خريطة طريق لحل الأزمة اليمنية المستعصية بدت منحازة إلى الحوثيين. وأوضح في مقال له إنه يُمكن قراءة الموقف السعودي بأنه غير سعيد بما جرى، وإن اضطر بروتوكولياً إلى تهنئة الجنرال و«التعامل» مع خريطة ولد الشيخ، بسبب ضغوط يتعرض لها نتيجة إطالة أمد الحرب في اليمن. ولكن مقالات كُتاب محسوبين على الرياض، وتصريحات حلفاء من حولها، ترى في انتخاب عون ومبادرة ولد الشيخ «انفراجة» وفرصة سلام صالحة للبناء عليها، مشيرا إلى أن ذلك أثار قلق اليمنيين والسوريين واللبنانيين، بل حتى أهالي الموصل ووسط العراق وكل عربي وسني متضرر من المشروع الإيراني التوسعي، والذي لا يزال باقياً يغيّر وجه المنطقة في شكل غير مسبوق ويتمدد في عالمنا المنهار وعواصمنا ومدننا العربية التي تسقط وتدمر وشعوبها التي اقتلعت من جذورها وتاريخها وباتت لاجئة مشتتة، فباتوا يخشون من تراجع سعودي، وهم قد علّقوا بالمملكة الآمال أن تكون صاحبة المشروع العربي السني المقابل. وأفاد بأن موقف الرياض لم ولن يتغير، وأن قلبها في المكان الصحيح، ولكنها مضطرة إلى ممارسة بعض من السياسة، وفِقْه «أخف الضررين»، متمنيا أن يخرج مسؤول سعودي ليوضح عن الحرائق الجارية، وخطط مواجهتها، وتوضيح:"من معنا ومن ضدنا، ومن هو حائر يتخبط" حسب تعبيره. وقال: يمكن البناء على حديث المتفائلين بانفراجة في لبنان تعيده إلى صفه العربي، وعملية سلام في اليمن يمكن البناء عليها منطقياً، إذا ما تغير الجنرال ميشال عون وتخلى عن نظرية «تحالف الأقليات» ومنع «حزب الله» من إرسال آلاف الشبان اللبنانيين إلى سورية للقتال هناك، وكذلك في حال حصول معجزة أخرى تفك ارتباط الحوثيين بإيران ومشروعها التوسعي، وهو أمر مستبعد، والقول به أوهام، والأفضل للمملكة أن تدخل حرباً في اليمن لعقد كامل تذود بها عن الجزيرة كلها، ولا تقبل بسخف مثل هذا. وقال إن إطالة أمد الحرب تحولت إلى عامل ضاغط على السعودية، وسمحت لأميركا وغيرها بأن تمارس دوراً يعبّر عن فهمها للأزمة، لا فهم الرياض وثوابتها التي تدور حول رفض الوجود الإيراني هناك. هذا غير الضغوط التي تشتد عليها، بزعم الحرص على سلامة المدنيين، ورفع مظلومية معاناة الشعب اليمني بسبب الحرب والحصار والانقلاب، مع المساواة في تحميل مسؤولية ذلك على الطرفين محل النزاع. وهي مسألة غير عادلة للسعودية، ومن حقها أن ترفضها، لكن مشكلتها أن رافعي ألويتها هم حلفاؤها الأميركيون والبريطانيون حسب تعبيره خاشقجي. وأردف: تكفي جولة سريعة على آخر مذكرة دفعت بها بريطانيا إلى مجلس الأمن للتصويت عليها لكشف هذه اللغة التي تساوي بين الشرعية والتحالف من جهة، والانقلاب من جهة أخرى. وأفاد بأن هذا الفهم الخاطئ للأزمة اليمنية الذي من الواضح أنه تبلور بسبب طول أمد الحرب وحادثة سرادق العزاء المؤسفة واختلاف ثوابت وأولويات السعودية عن أولويات حلفائها في اليمن، انعكس بوضوح على خريطة الطريق التي قدمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، والتي وُصفت بأنها انقلاب على خريطة سابقة قدمها في الكويت وقبلت بها الشرعية اليمنية، إذ ساوى تماماً بين الشرعية اليمنية والحوثيين وعلي عبدالله صالح بصفتهم قوة انقلابية، مع إلغاء تام لمبدأ المحاسبة والعدالة الانتقالية. واعتبر خريطة ولد الشيخ، أكثر سوءاً للسعودية، إذ تتضمن تهديداً لأهم ما سعت إلى تحقيقه في اليمن، وهو منع الحوثيين من الاستحواذ على السلطة، أو أن يكونوا في موقع فيها يمكّنهم من تمرير سياسات تهدد الأمن القومي والاستراتيجي السعودي. وأشار إلى أن الخطة تهمش الشرعية الحالية الممثلة بالرئيس هادي، وتستبدلها بنائب رئيس واسع الصلاحيات، يستند إلى شرعية أممية وقبول الحوثي وصالح، ما يعني أنه سيكون قادراً على وقف عمليات التحالف، والتي يجب أن نتذكر أنها لم تبدأ لأن الحوثيين أطلقوا صواريخ باليستية على منطقة مكةالمكرمة مثلما فعلوا قبل أيام، وإنما بدأت لمنعهم من الاستيلاء على السلطة في اليمن بالقوة. وقال إن هذه الخريطة تعيد الأطراف اليمنية إلى لحظة اتفاق السلم والشراكة في أيلول (سبتمبر) 2014، عندما اختلّت كل موازين القوى السياسية بحكم القوة والانقلاب، لا بسلطة من فاز في انتخابات شرعية، فخضعت لهم كل القوى السياسية حقناً للدماء بعدما فشلت الثورة التي حلم الشعب فيها بيمن ديموقراطي تعددي. وإذا ما نجح ولد الشيخ في تمرير خريطته فستعود القوى نفسها إلى الطاولة نفسها، فيما الحوثي الذي استخدم بلطجته قبل عامين أكثر قوة وبلطجة ويحظى باعتراف من المجتمع الدولي، سيسحب بضع مدرعات من صنعاء، ومئات من أنصاره المدنيين في احتفالية أمام كاميرات التصوير، وربما تصفيق إسماعيل ولد الشيخ، بينما يترك آلافاً منهم داخل ثكنات الجيش بزي عسكري بعدما رسمهم هناك، وآلافاً غيرهم في الوزارات المدنية، في أكبر عملية اختطاف فوضوي لمؤسسات الدولة اليمنية. وتساءل: كيف يستطيع هادي منزوع الصلاحيات ونائبه المرضي عنه حوثياً أن يفاوضا الحوثي وصالح من دون ضمانات، وهم من هم في البلطجة التي أوصلت اليمن إلى ما وصل إليه؟ مَن يضمن ألا يتكرر سيناريو الضغط على رئيس الوزراء مثلما فعلوا مع خالد بحاح الذي صعد نجمه باعتباره أحد استحقاقات اتفاق السلم والشراكة سيئ الصيت، فكان هو من نال صفة «الشخصية الوطنية المحايدة وغير الحزبية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة»، كما ورد في أحد بنود الاتفاق، فعُين رئيساً للوزراء لم يحتمل الحوثيين ولم يحتملوه، فدفعوه إلى الاستقالة، ثم لحقه الرئيس هادي بعده، ولم يجدا بعد الله غير السعودية ملجأ بعدما تقدم الحوثي وصالح بقواتهما إلى عدن، وقصفت طائرات الأخير قصر الرئيس الذي استنجد بالسعودية، فأعلنت في آذار (مارس) 2015 عاصفة الحزم بطلب منه، بصفته ممثلاً للحكومة اليمنية الشرعية. وقال: إذا سمحت الرياض بمرور خريطة ولد الشيخ فلن تكون هناك في المرة المقبلة حكومة شرعية تطلب عاصفة حزم، بل حكومة مُعيّنة برضا الحوثيين وبغطاء أممي. وحينها لن نملك سوى الحوقلة، بينما نتابع على شاشة التلفاز احتفالاً بافتتاح قاعدة عسكرية إيرانية في ميدي، بزعم اتفاق التدريب والتعاون المشترك بين إيرانواليمن. سيكون هذا أكثر إيلاماً، وأعظم خطراً من صاروخ باليستي يستهدف مكةالمكرمة ونستطيع إسقاطه بمنظومة دفاعنا الجوي. أما قاعدة إيرانية في ميدي، فما الذي سيسقطها؟ واستبعد أن تسمح السعودية بذلك، متوقعاً ألا تسمح الرياض بتمرير خريطة ولد الشيخ التي ترقى إلى أن تكون مؤامرة، لا مشروع سلام.