"خيركم من تعلم القرآن وعلمه". في يمنِ الإيمانِ والحكمةِ، تتبادرُ إلى الأذهانِ العديدُ من الأسماءِ القرآنيةِ اللامعةِ بمجرد الحديثِ عن القرآنِ الكريم وحفظِهِ وتلاوتِهِ وتحكيمِ مسابقاتِهِ.. أسماءُ كبيرةٌ نُقِشَتْ في القلوب بأحرفٍ من وهج الذكرِ الحكيم.. منهمْ من قضى نحبَهُ ومنهم من ينتظر.. شيخ جليل، صوتُهُ مفتتحُ كل مَجْمَعٍ، وتلاوتُهُ منتهى ما وصلَ إليهِ قراءُ اليمنِ من إتقان.. تعالوا بنا لنعيش وإياكم لنعيش في رحاب هذه الشخصية. السلام عليك أيها الصوتُ القادمُ من مُزنِ السماء.. السلامُ عليك أيها المزمارُ المتحدرُ من نسلِ داوود، وأجدادِكَ الأشاعرةِ العظام. يحيى أحمدْ محمدْ الحليلي.. ولهذا الاسمِ الفاضلِ وقْعٌ موسيقيٌ يُطْرِبُ الآذانَ، ويُثلجُ الصدورْ.. ويا فوزَ يحيى: لقد أخذَ كتابَ ربِّه بقوّة.. قُلْتَ إنكَ من مواليدِ ما قبلَ الثورةِ السبتمبرية بعشرةِ أعوامْ.. لكنَّ ميلادَكَ أشعَلَ ثورةَ النورِ المبينْ في قلوبِنا عبْرَ السنين.. وقُلتَ إنك لم تُبْصِرِ النورَ بحَبِيْبَتَيْكَ سِوى سِتةَ أعوامٍ فقط، قبل أن تفقدَهما بسبب الجُدَرِيِّ، لكننا لم نَفتحْ أعيننا إلا وأنت تُحبِّرُ القرآن تحبيرا.. وعلى عينيْكَ نظارةٌ سوداء.. حينها فقط أدركْنا يقينا أن مَصدرَ النورِ في القلوبِ، وليس بين الأحداق والجُفُون.. هي ذي "حَليلة" من قُرى بني مَطر بمحافظة صنعاء، ولها أن تَفْخَرَ بأنها أنْجَبَتْ واحدا منْ أهمِ وأكبرِ شيوخِ المقارِئِ اليمنيةِ والعربيةِ عبر العصور.. في البيت الملحق بجامع قبة المتوكل الذي يتوسطُ ميدانِ التحريرِ قلبِ العاصمةِ، سكن قلبُ الشيخِ الحافظِ يحي الحليلي مُنذُ أكثرَ من أربعةِ عُقُودٍ إماما لأولِ مسجدٍ في صنعاء تقامُ فيهِ صلاةُ التراويح بعد ثورةِ السادسِ والعشرينَ من سبتمبرْ، ولم يكنْ قبلَ ذلكَ مسجدٌ في صنعاء تقامُ فيهِ هذهِ السُنّة.. في العاشرةِ من عُمُرهِ حفظَ الحليليُّ كتابَ الله، أي عام 1962، ومنذ ذلك الحين وهو يقيم عليه مراجعةً وتلاوةً وإمامةً ودراسةً وتدريساً وتحكيماً في العديدِ من المسابقاتِ الدوليةِ والمحليةِ، وحصلَ على المركزِ الثانيْ في مسابقةِ القاهرةِ عامَ 1980، ولم يعرِفِ البرنامجُ الرمضانيُّ "في رحاب القرآن" أنْ تَغَيَّبَ عنه الشيخُ الحليليُّ ولو في موسم واحد. ما يزال حاضرا في أسماعنا صوتُ شيخِهِ وأستاذِهِ وزميلِهِ، شيخُ المقارئِ اليمنيةِ قبلَهُ محمدْ حسين عامر الذي وافته المنيةُ عامَ 1999، ليخلفَهُ الشيخُ الحليليُّ منذُ ذلك الحينُ في قراءةِ القرآنِ كلّ جمعةٍ وفي فجرِ رمضانَ، في الجامع الكبير بصنعاء.. عمل الشيخُ يحي الحليلي أكثرَ من 17 عاما في تدريسِ المكفوفين، ويبدو أن هذه الفترة وعشراتِ الأعوام بعدها، من التدريسِ في البيت والمسجد والمعهد والمدرسة، كان لها تأثيرها في سَمْتِ الشيخ ووقارِهِ، ووقوفِهِ على ذات المسافة من الجميع.. غير أنه لا يتردد في الإفصاح عن تذمره من التعصب المذهبي أو الطائفي، مع إقراره بأهمية الاختلافات المذهبية، وعدم جواز الاقتتال أو التناحر عليها..