تشهد المناطق الجنوبية حراكاً سياساً غير مسبوق لناحية كثافة أنشطة فصائل الحراك الجنوبي، ومساعي تشكيل تكتلات كبيرة، وكذلك تعدد رؤى حل القضية الجنوبية. ومن نافلة القول إن من حق شعب الجنوب، أو شعب الشمال، أو شعب حضرموت، أو شعب إب طرح أي وجهات نظر سياسية حتى لو كانت حق تقرير المصير في البقاء ضمن دولة الوحدة أو التوجه نحو نموذج فيدرالي أو أي صيغة أخرى يبلورها الناس بظروف طبيعية، تعمل بعيداً عن تأثير قيادات محسوبة لصالح أجندات خارجية تلتقي مصالحها مع زعزعة استقرار اليمن والإقليم المحيط، وبدون وصاية واحتكار حق تمثيل أي قطاع جغرافي أو سكاني مالم يكن التمثيل مؤيداً تأييداً عارماً من القاعدة السكانية. بالتأكيد لو لم ترتكب أخطاء فادحة منذ قيام الوحدة، وبعد سكرة المنتصرين في حرب 94 لما تشكلت قضية جنوبية بدأت بشكوى مظالم ومطالب حقوقية وتطورت إلى قضية سياسية.. وما يؤسف له أن تلك الأخطاء قوبلت من جماعات في الحراك الجنوبي وتحديداً المنضوية تحت مظلة علي سالم البيض، بخطأ المطالبة بالانفصال وفك الارتباط بالشمال، في الوقت الذي ساعدت أحداث 2011 في إبراز القضية الجنوبية على المستوى الدولي والاعتراف بها لكن في إطار الوحدة اليمنية، وبأي صيغة. الأخطاء حدثت عقب الوحدة ولعلها تتركز في موجات الاستبعاد والإقصاء والتهميش، ولا أجد مسوغاً لتضمين نهب ثروات الجنوب في الخطاب السياسي للقضية الجنوبية، لأن النهب طال الشمال والجنوب من شماليين وجنوبيين، سوى أن حديث الثروة يوهم بأن الوحدة تمت بين جيبوتي وروسيا الاتحادية، كلنا في الهوى فقراء، شمالاً وجنوباً، ثم إن بعض قيادات الانفصال الآن كانت على سدة حكم الجنوب فلماذا لم تستخرج الثروات الهائلة، أم أرادت الاحتفاظ بها إلى يوم الدين. إن ما تحتاجه اليمن عامة والجنوب خاصة هو استعادة دولة الوحدة، الهدف التاريخي الكبير لمعظم فصائل الحركة الوطنية على مدى أزيد من مائة قرن. وليس من المعقول أن تتحمل الوحدة وزر أخطاء بعض أشخاص، خنقوا مفهوم المواطنة المتساوية، وأعادوا إصدار نسخ سيئة من الترتيب الهرمي لدرجات المواطنة شملت إلى جوار المناطق الجنوبية، مناطق شمالية. خطر الدعوات الانفصالية لا ينحصر في إضاعة فرصة تاريخية –كما وصفها الزياني- أمام الجنوبيين بإعادة تنظيم شكل وأروقة الدولة بما يحقق العدالة والاستقرار لكل اليمنيين، ويعيد الاعتبار لوحدتهم التي أرهقها غرور صنعاء وشطحات عدن. مطالب فك الارتباط في وقت يجمع العالم شرقه وغربه على ضرورة استمرار الوحدة، وفي ظروف تتلاشى فيها سلطات الدولة، تؤدي بالمحصلة إلى غرق في الفوضى ونزاعات مبنية على مطالبات جغرافية وذرائع تاريخية. في العامين الأخيرين سمعنا بقضايا من قبيل القضية التهامية، والمناطق الوسطى، وحراك صحراوي، وقضية صعدة، والحقوق الحضرمية، وهي بصرف النظر عن جديتها وعدالتها، حالات طبيعية في أوضاع استثنائية للبلد، لكنها إذا انهارت الدولة واشتدت النزاعات فستتحول إلى وقود يتغذى به أمراء الحرب المتأهبون. للأسف الشديد أن يتصدر دعوات الانفصال، ويبتكر مصطلح "فك الارتباط" شخص كعلي سالم البيض، الذي يتعجب المرء من إصراره على دفن تاريخه النضالي في مقاومة الاستعمار وانخراطه في حركة تحررية هدفها الأسمى كان الوحدة اليمنية التي شارك فعلاً في تلبية المطالب الشعبية بإنجازها، يا ترى ما المبرر الذي يراه البيض للتحول من مناضل إلى (أميتاب باتشان).