تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قائد سقى الشرف العسكري بفولاذ المجد
نشر في الاشتراكي نت يوم 06 - 11 - 2020


بداية التعارف وتوطد الصداقة
ثمة أشخاص عندما تجمع بهم على صعيدي المكان، والزمان لا يمكنك إلا أن تعقد معهم رباط الصداقة، والأخوة رباطاً أبدياً لا تحل عراه تقادم السنوات، ولا متغيرات ظروف الحياة المتلاحقة.
ينطبق هذا القول كثيرا على القائد الشهيد عدنان الحمادي عليه رحمة الله.
منذ تعرفت عليه في يوم من أيام سنة 1988، وعلاقتي به لم تتغير قيد أنملة، وإنما بقت على كرور الأيام، والشهور، والسنوات تزداد قوة، ومتانة.
تعرفت عليه في معسكر الحساحس منطقة الأعشور بيت الشرجي مديرية قعطبة.
لفيته وزملاءه يضجون بالنشاط والحيوية، ينفذون برامج تدريب الجنود بكفاءة عالية، ويحرصون على الحركة، والانتقال بين المواقع العسكرية للواء كموقع الجُب، وموقع عُويش، وموقع الطيرمة، وغيرها من المواقع بغرض التعرف على طبيعة الأرض، وجغرافية المنطقة.
استقامت علاقتنا البينية بداية على التبادل المعرفي فقد استفاد كثيراً مني بحكم أني أقدم منه عسكرياً، وكذا معرفتي بكل تفاصيل المنطقة لكوني أنحدر منها، وبالمقابل أستفدت أنا منه الكثير من المعلومات كونه كان خريجا من كلية عسكرية، ومتخصصاً بسلاح الدروع.
أول ما قدم إلى اللواء الثاني مدرع مستقل عين قائداً لسرية مشاة في (ك 49) مشاة، ولم يعاد توزيعه على تخصصه سلاح الدروع سوى عقب قيام دولة الوحدة المباركة سنة 1990، حيث نقل إلى كتيبة دبابات هي ال (ك 64) في معسكر الحمزة محافظة إب، ومن حينها أضحينا معاً ضمن كتيبة وحدة.
*
اتسمت الفترة التي أعقبت قيام دولة الوحدة بحدوث طفرة مهمة في تنمية وعينا، وبناء قدراتنا العقلية بناءً معرفياً، وثقافياً من خلال الإطلاع المكثف على أغلب المجلات، والصحف، وقراءة الكتب التي لم تكن موجودة قبل الوحدة أو أنه كان غير مسموح بها فصارت بفضل دولة الوحدة، وإتاحة التعددية السياسية مسموح بها، ومتاحة، علاوة على المجلات والصحف العربية ك (مجلة النهضة، ومجلة المجلة, ومجلة الحوادث، ومجلة الشاهد، ومجلة وجهات نظر, ومجلة الهلال، ومجلة الساعة)، وصحف ك (شيحان، وصوت العرب، والسياسية، الحياة، والحرة)، وغيرها كثير ناهيك عن الصحف اليمنية الرسمية، والحزبية، والأهلية.
كنا نعتكف فوق تلك الصحف والمجلات، ونتداولها فيما بيننا.
كنا على إطلاع بمختلف التطورات والأحداث.
شهدنا الإستفتاء على دستور دولة الوحدة، وأول إنتخابات برلمانية يمنية 1993، وتابعنا عن كثب كيف بدأت المماحكات السياسية، وصولاً إلى إعلان حرب صيف 1994.
في بداية هذه الحرب تعرض رحمة الله عليه إلي إصابة بالرأس حيث لم يكن غطاء فتحة الدبابة محكم الإغلاق فارتطمت درفة الغطاء فوق رأسه تم على إثرها إسعافه فوراً للعلاج، ولزم الإقامة ببيته في قريته مدة طويلة، بعدها حدث خطأ في تشخيص الطبيب الذي أفاد بوجود ورم أسفل الجمجمة، وبقي يتردد للعلاج طيلة سنة كاملة، وكنت أرسل إليه براتبه الشهري بصفة مستمرة.
عندما اكتشفت أن قيادة اللواء قد أقدمت على رفع إسمه ضمن الحالات المطلوب إحالتها إلي كشوفات التقاعد أقنعته بضرورة سرعة التحرك إلى المستشفى العسكري بصنعاء للعلاج.
أظهر الفحص الذي أجراه بالمستشفى العسكري عبر الأشعة المقطعية أنه سليم، وليس لديه أي شيء مما قاله الطبيب المعالج له سابقاً.
إتصل بي يومها ومعنوياته عالية، وكان سعيداً جداً من نتيجة الفحص، والتشخيص، وتم إلغاء إسمه من كشف المحالين للتقاعد.
*
موعد مع المجد
إن الحديث عن صديق عمر، وأخٍ، وزميل درب على مدى 32 سنة لا يمكن حصره في مقالة كهذه.
ما المقالة هذه عن القائد الشهيد إلا نافلة واحدة من نوافل الحديث الذي لا يفي به كتاباً، وإنما كتب، ولا رواية طويلة وإنما روايات، وليت الظروف تسمح لنا بالتفرغ لتدوين صفحات سيرتنا المشتركة.
إنها صفحات خالدة ملئية بالعظات والدروس الجديرة بالتدوين والتوثيق كي تكون مرجعاً للأجيال تستلهم منها دروس المجد، وعناوين الشجاعة، والعزة، والكرامة والوطنية، والقيادة العسكرية الفذة.
لهذا أكرر ....بالقول:
ما هذه المقالة إلا نافلة من نوافل الكلام الذي فرضته مناسبة التأبين السنوية الأولى لاستشهاده من قبيل التذكير بأهم فصل من فصول سيرته لا من قبيل التذكير ، والتدوين لكل فصول سيرته المتفردة في جل جوانبها.
*
سأسوق بايجاز مقتضب بعض ملامح ذلك الفصل الأهم لتلك السيرة المجيدة للقائد الشهيد لأن تيك الملامح بحد ذاتها تعتبر العنوان الأبرز ليس فحسب في حياته وحده، وإنما تعتبر العنوان الأبرز في كل تاريخ العسكرية اليمنية المعاصرة.
لقد كان لي، وعشرات من الضباط، وبضع مئات من الأفراد والمتطوعين المقاتلين تحت قيادته الشرف في صناعة ذلك المجد في لحظة تاريخية فارقة أعادت الإعتبار الشرف للقوات المسلحة اليمنية، وأسمعت آذان العالم التي كادت تصمها عن السماع، والإصغاء إلى أنه لا يزال ثمة نظام سياسي شرعي يحكم البلاد.
محطة مفصلية تغنى فيها القدر أغنية مجد العسكرية اليمنية منجديد بعد أن كادت تسحق تحت بيادات خونة الشرف العسكري، والخارجين من كهوف التاريخ بجبال مران.
محطة خطت تفاصيل أسطوريتها البطولية بيادقنا السمراء تحت قيادة بيرقها الماجد عدنان الحمادي.
إنها محطة إعلان أن نظاما يحكم البلد مازال موجوداً.
إنها أيضاً محطة إعلان بقايا وجود الشرف العسكري.
تلك المحطة هي معركة المطار القديم بتعز.
ملحمة إنتقشت تفاصيلها المجيدة رنات أزندة البنادق الرافضة الخضوع والاستسلام للعصابة الانقلابية.
ملحمة كان عدنان فارس فرسانها الوضاء.
كنا يومها تحت قيادته على موعد مع القدر الذي اختارنا بعناية فائقة، دون غيرنا لخوض غمار معركتها.
*
كنت جنباً إلى جانب القائد.
كان دوري كأي ضابط خاض تلك الملحمة.
أُجلس مع القائد، أشاركه قرارته... أساعده في بعض أعماله، وإتصالاته أتحرك حيث يأمرني، ويستدعي تواجدي.
أعيد توزيع المقاتلين بغرض تعزيز الموجودين سابقا.
*
إن السبب الذي جعلني وغيري نشارك بمعركة المطار القديم لاسيما بعد أن استسلمت معظم الألوية للمليشيات دون أية مواجهات، فاضطررنا لخوض تلك الملحمة هو أننا بُنِينا على أساس وطني صرف.
أينما نتواجد سنؤدي واجبنا وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية، والعسكرية.
وعندما يتم الإنقلاب على السلطة الحاكمة، وتختطف الدولة، وتصادر مؤسساتها هنا يتوجب علينا محاربة الإنقلاب.
لا يهمني من أستسلم أو حايد لأني أحمل قضية عادلة، ومن أجلها سأقاتل، وأقتل.
*
لم يكن قرار خوض المعركة بالأمر السهل.
لقد فرض علينا القتال وهو كره لنا كيف...؟
استنفدنا حينذاك كل خيارات تجنب الحرب.
ضيقوا علينا الخناق من كل الإتجاهات، وفُرض على اللواء حصار خانق.
جيشوا علينا قوة كبيرة من ألوية الحرس الجمهوري، والأمني، والمليشيات الحوثية، والمتحوثين.
وظفوا البربوجندا الإعلامية الهدامة.
حاولوا شق اللواء باستغلال وصول مرتب شهر مارس، واستخدامه كورقة ضغط علينا.
السماح للجنود الذين كانوا بلبوزة، وجبل صبر، ومعسكر خالد، وقطاع المخاء بالرواح، والعودة إلى بيوتهم بهدف إضعاف قوة اللواء.
لقد وجدنا أنفسنا أمام كل هذه الإجراءات التعسفية مجبرين على المواجهة التي قدمنا فيها 38 شهيداً، 128جريحاً.
*
مع العلم أني عندما شاركت بتلك المعركة كنت تواً خارجا من مستشفى البريهي للعلاج من أعراض أولية لبداية جلطة.
لكن عندما كان دوي أصوات القذائف يملأ سماء مدينة تعز نسيت أني كنت مريضا، وتعبانا، وشاركت مع الحمادي في خوض المعركة.
*
لا أستطيع ذكر اسماء جميع الشهداء والجرحى مع انهم زملائنا.
سبب تحفظي عن ذكر اسماءهم لدواعي أمنية خاصة أن معظم الجرحى، وأسر الشهداء يعيشون في مناطق لايزال العدو يسيطر عليها.
*
الحقيقة أن ظروفنا كانت صعبة للغاية، ولن أنسى تفاصيل تلك المعركة الأسطورية.
كنا محاصرين من أربعة جهات، جرحانا استشهدوا، وهم ينزفوا دونما نستطيع إسعافهم، أو نأخذ أية مواد غذائية أو أدوية للجرحى.
الأفراد كانوا في تناقص مستمر.
الكهرباء ضربت، ومحطة البترول أحرقت.
أي تعزيز قادم من الخارج لا يستطيع الوصول إلينا.
المياه نفدت، وكان هناك مسبح داخل المعسكر كنا نستخدم مياهه في الليل دون أن يعرف الكثير من المقاتلين ذلك.
لقد عملنا، وبذلنا كل جهودنا لنصمد صموداً أسطورياً لمدة 23 يوما.
لم يبق يقاتل معنا في المعركة إلا من كان لديه قناعة، وإيمان بعدالة القضية، ويرى أنه صاحب الحق.
أتوا يقاتلونا من أطراف البلاد، ونحن في مقر أعمالنا، وكان هذا الإحساس هو ما يقوي عزائمنا.
سقط معسكر المطار لأن طبيعة المعسكر لم تكن مهيئةً للقتال أصلاً فالعدو كان قد سيطر على كل الأماكن المهمة حول المعسكر، وعوامل أخرى كثيرة لا يتسع المقام هنا لذكرها سبق أن ذكرها القائد في كثير من حواراته يمكن العودة إليها.
أتذكر أن الهجوم استمر علينا خاصة من عشية يوم الثلاثاء 21 أبريل 2015 من جميع الاتجاهات دون انقطاع بمختلف الأسلحة الثقيلة، والمتوسطة، والخفيفة.
أحرقوا الأرض، وكنا قد قمنا بتوزيع معظم الذخائر التي في المخازن إلي قطاعات المقاتلين في المتارس، والخنادق لأن العدو كان يحاول استهداف المخازن والقيادة بضربهما.
طبعاً عند الساعة الثانية بعد منتصف تلك الليلة خففوا الضرب لمدة 21 دقيقة تقريباً ربما لغرض تبديل مقاتليهم بأخرين حيث استئنفوا الكرة بالهجوم علينا.
كانت أصوات إطلاق النيران لا تنقطع إطلاقا، وأفرادنا يردوا ويقاتلون باستماتة.
لم نقدر نسوي أي شئ لشهدائنا، وجرحانا داخل الخنادق، والمتارس.
وأخيراً أُجبرنا على الخروج.
أنا شخصياً خرجت في حدود الساعة الثامنة ونصف الساعة صباح يوم الأربعاء 22 أبريل 2015.
خرجت أنا، والأخ العميد عبد الملك الأهدل.
سمعته ونحن منسحبين يرد على اتصال يقول:
_ ما عد باقي إلا أنا وعلي النقيب.
لم أعرف من كان يكلم.
وبما أن الحوثيين كانوا يسيطرون على الأربعة الإتجاهات إلا أنهم خففوا علينا الضرب من الإتجاه الغربي من موقع الدفاع الجوي كي يسهلوا لنا الإنسحاب حتى لا نقاتلهم قتال المنتحرين.
*
كنت قد خرجت ومعي أربعة مرافقين هم المساعد وليد الخولاني، والرقيب نصر منصور مخارش، والجندي يوسف العكام، ووصلنا إلى حارة الظهرة الواقعة بين نادي الصقر، وشارع الثلاثين.
هناك اجتمع علينا مجموعة كبيرة من الأفراد، وأجبرونا على تسليم أسلحتنا، ووصفونا بالبياعين والخونة، وعرفت الأخ فؤاد مهيوب الذي كان يعرفني تماماً كنت أنتظر منه موقفا إيجابيا، ولكنه لم يقم بأي شيء حتى أنه لم يوجه إليهم أي انتقاد.
واضطررنا إلي تسليمهم الأسلحة.
التفت باتجاه معسكر المطار رأيت جوار النادي الأحمر وهو "سكن الضباط داخل المطار" كثافة بشرية تتحرك بسرعة إلى حد أني شعرت بفتحة على صلعة رأسي يصعد منها ما يشبه الدخان والبخار، وبقية شعر رأسي كأشواك القنفذة.
سيقى هذا الموقف من أصعب المواقف في كل حياتي إلي درجة أني مكثت بعده منهاراً ومتوتراً ما يقارب الأسبوعين.
كان هدفنا أن نتحرك إلى نادي الصقر الذي كانت تتواجد فيه دبابة وأفراد كي نشارك بالقتال معهم.
لكن عندما وصلنا وجدنا المواطنين ينهبون معدات وأثاث النادي.
*
بعد معركة المطار مكثت مدة في مدينة تعز كان هدفي هو الإشتراك ضمن أية مجاميع ستتشكل لمقاومة الحوثيين، وقد أرسلت من هاتفي عدة رسائل للشيخ حمود المخلافي أعرفه بنفسي، ومن أني أحد الضباط الذين قاتلوا بمعركة المطار، وأعرض عليه المشاركة، والانضمام لأية مجاميع مقاتلة، لأنه كان قد بدأ مع آخرين بتأسيس المقاومة، فكنت أرسل إليه الرسائل ولكنه لم يكن يرد على أية رسالة.
كنت لا أريد العودة إلى القرية، وأنا أحمل الإحساس بالخيبة من نتيجة المعركة، فبقيت في البيت بتعز، وغيرت الشرائح، ولم نك نستطيع التواصل مع بعضنا البعض.
كان الحمادي والعوني قد اغلقا هاتفيهما. في بداية شهر مايو 2015، غادرت مدينة تعز إلي القرية.
*
في القرية أتصلت ببشير الهبة، أسأله عن رقم أكرم سعيد محمد مرافق الحمادي لأخذ منه رقم القائد فقال أنه ليس موجودا معه، وإنما معه رقم العقيد عبد الحكيم الدربعي.
أخذت منه رقم الأخير، وتواصلت معه فأخبرني أنه أصيب في معركة المطار القديم،ولم أكن أعلم أنه قد أصيب، وبدوره أعطى رقمي للقائد.
كان القائد يتصل بي من رقم لم أرد عليه بسبب أن المرحلة كانت مرحلة خوف وحذر.
وعندما عرضت الرقم عبر الكاشف طلع إسم صاحب الرقم محمد عبده علي حزام مهيوب، ولم أكن أعرف أن القائد يستخدم هذا الرقم بإسم آخر لا أعرفه.
حاولت التواصل معه على رقم البيت فلم يرد.
في يوم 7 مايو 2015 وصلتني رسالة من رقم محمد عبده حزام مهيوب تقول" معك عدنان الحمادي ... الحمدلله على سلامتك.... إن شاء الله تكون بخير...لنا تواصل".
ومن بعدها بدأنا نتواصل من جديد.
*
وكان يفكر يمدني بأسلحة وذخائر لفتح جبهة ضد المليشيات بمنطقتي،وألزمني بتجميع القوة الموجودة بإب.
وبالفعل بدأت التواصل مع الضباط والافراد، وجعلهم على أهبة الجاهزية، على أن يبقى كلٍ في محله، ولكن لم تتهيأ الفرصة لتلك الجبهة.
بعدها تواصل معي، كي أنزل إلى عنده، فأرسل إلى عندي بمحافظة إب الأخ أمين مخازن التسليح المساعد محمد عبد المجيد السبئي، والأخ المساعد محمود الطيب، وصادف يوم وصولهما استشهاد العميد محمد عبد الله العوني رئيس أركان اللواء 35 مدرع، وأصيب الأخ العقيد عبد الحكيم الدربعي.
*
على إثر ذلك تحركت إلى مدينة دمت أنا والأخ العقيد ركن عبد الجبار السورقي للمشاركة هناك مع قوات الشرعية، ولكن وجدت أن الواقع هناك لا ينسجم مع طبيعتي العسكرية التي تربيت عليها.
اتصل بي القائد رحمه الله، واقترح علي أن لا أقدم إليه عبر طريق إب الحوبان الحجرية، وإنما سيرتب لي المرور عبر طريق المسيمير لحج، وأرسل لي خمسين ألف ريال مصاريف مواصلات.
وكنت حينها بدمت فانتقلت مع مجاميع تتبع رشاد الضالعي إلي الضالع.
علقت بمدينة الضالع لحظات صعبة، ولم أجد غير سيارة قات متجهة إلى عدن.
امتطيت"كبن" السيارة فوق شبك سقفها من الضالع حتى مدينة عدن.
معروف كيف تقطع سيارات القات مسافة الطرقات سرعة جنونية كنت متمسكا متشبثا بكل أصابعي وأقدامي بشبك الحديد، والريح يصفعني بلطماته، ويشذخ وجهي، ويصم سمعي حتى أني تركت فردت من الحذاء تطير ولا أغامر في إمساكها.
وصلت مدينة عدن بحالة يرثى لها، واتصلت بالقائد رحمه الله وبدوره أرسل إلي عندي مندوبه بعدن حينها طاهر القحطاني الذي أخذني وطلب مني الراحة والمبيت تلك الليلة بأحد فنادقها.
عندما استيقظت صباح اليوم التالي كان جسمي مدقدقا، أو مكسراً، وكأن كل عضو بجسمي غير موجوداً من أثر السفر فوق شبك سقف سيارة المقاوتة، بين الريح والشمس.
*
وصلت العين بمديرية المواسط يوم الخميس 26 مارس 2016، وتعانقنا عناقا يعصى وصفه.
جلسنا بمقر المعسكر بغرفة التسليح، وعرفني يومها على العقيد أمين الأكحلي الذي كان موجوداً عنده.
استمر فترة من الزمن يوعز لي بأني سأكون أركان حرب اللواء بدلاً عن الشهيد العوني، ولكن لم يتم ذلك، وبعد مدة أسند لي مهمة القوى البشرية، ومهام أخرى كزيارة للجبهات، أو التدخلفي حل بعض الإشكاليات التي تقع هنا وهناك، وإعادة تأسيس اللواء التي تحتاج إلى مرجعيات خاصة، وأخيراً استقر بي الأمر بتكليفي بمهة إدارة القوى البشرية باللواء.
إن إدارة القوى البشرية باللواء 35 مدرع تعتبر من المراحل الصعبة بحياتي، ولكنها رغم صعوبتها كانت تمثل لي التأسيس الصحيح للواء 35.
*
لم ينحصر عملي عند حد مهمة إدارة القوى البشرية باللواء بل تعددت الي غير ذلك كما أشرت قبل قليل.
استطيع القول:
ما أن ولجت مقر اللواء إلا وشرعت في أخذ دوري الطبيعي فشاركت تقريباً بأغلب وأهم معاركه التي وقعت منذ وصلت ثانية إلي اللواء.
مثلاً شاركت عند فتح جبهة الصلو بأغسطس 2016 ، وبقيت فيها مدة شهر ونصف الشهر.
شاركت أيضاً بمعركة الشقب بشهر رمضان أنا والأخ رئيس عمليات اللواء 35 مدرع العقيد عبد الحكيم الجبزي وهي معركة تزامنت مع معركة التقدم والتراجع بجبهة الصلو.
وشاركت أيضاً في معارك تحرير الأماكن التي كانت تحتلها المليشيات الحوثية بمديرية الصلو 2018.
*
كثيرة هي الصفات التي لفتت انتباهي في الأخ القائد رحمة الله تعالى عليه فمثلاً من صفاته العسكرية:
اتصافه بالرجولة، الشرف، الشهامة، الصدق، الأمانة، الصبر، الوفاء، الإخلاص.
أما الصفات الأخلاقية:
تجد فيه البساطة، التواضع، الشعور بالأخرين، التسامح، مسالم غير عدواني، الكرم، الترفع عن الصغائر.
أما عن صفاته القيادية:
ستجده يعتد بالكفاءة، قوة التأثير في صفوف المرؤوسين، متمكن في عمله أي مهني، سعة الصدر، قوة التحمل، فهو قيادي، إداري،سياسي، وأكبر نجاح له أن دوافعه فطرية، وليست مكتسبة.
أما عن صفاته الإجتماعية:
تتجلى مكانته الاجتماعية بكسب قلوب وحب الآخرين بكل تلك الصفات الآنفة الذكر وعلاقته الواسعة داخليا، وخارجيا.
أما عن إنسانيته فحدث عنه ولا حرج كان إنساناً بكل ما تحمله المفردة من دلالة ومعنى، رجل يحس بالأخرين ومعاناتهم، ويقدم مالم ولن يقدمه غيره من خدمات عامة، ودعم للمرضى، ومساعدة الفقراء، والمحتاجين...... أسأل الله أن تكون في ميزان حسناته.
***
ومثلما هي صفاته الجمة العطاء كثيرة جداً كذلك كثيرة هي المواقف التي تشاطرتها معه.
مثلاً تجده أسعد ما يكون عند تحقيق أي تقدم في الجبهات.
لكن أسعد موقف له في تقديري هو إعادته لتأسيس اللواء 35 مدرع، وبناءه على أسس وطنية.
أما المواقف التي كانت تحزنه وكنت أحزن لحزنه كثيرا:
تعرضه لحملات إعلامية ضالمة، وصلت إلى حد وصفه بالعمالة، والخيانة، وهو الذي لا يدانيه في وطنيته أحد، وكان أوفى للوطن ولشرف الجيش يوم خان من خان وسقط من سقط.
كنت أحزن عند تعرضه للتحريض، والتشويه، والمحاربة.....الخ.
كان ذلك يؤلمني جداً ما بالك به هو لأني أعرف أن علاقاته بالآخرين كلها تخدم اللواء، والمنطقة ، والمواطنين، واستيعابه للجميع.

هامش
العقيد .. علي احمد ناجي النقيب... يحمل بكالوريوس علوم سياسية من كلية التجارة جامعة صنعاء 1997.
حاصل على عدة دورات عسكرية، وخريج معهد اللغات العسكري.
تقلد عدداً من المناصب القيادية العسكرية باللواء كركن استخبارات اللواء، وضابط أمن اللواء أثناء إصابة ضابط أمن اللواء محمد شمسان عام 2015، ووقعت معركة المطار القديم وهو بهذا المنصب، ويشغر حالياً رئيس القوى البشرية باللواء 35 مدرع، واسهم اسهاما كبيراً في إعادة بناء اللواء 35 مدرع بناء حديثا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.