ليس معقولاً أن نطلب إلى الوزير أو أي مسؤول آخر أن يحترم التقاليد المؤسسية، بينما هو تربى ونشأ على الفوضى وعدم النظام؛ لأن للتربية دورها في السلوك العام فيما بعد، عندما يصبح الطفل كبيراً وزيراً أو أي «كائن» آخر!! لقد قرأت حكاية عن تركي أصبح يمنياً من بقايا الاحتلال التركي في اليمن.. نشأ على النظام والانضباط العسكري.. ولما حصل نهب لصنعاء من قبل القبائل، اقتحم بعض هؤلاء منزله، وبدأوا بالنهب بطريق فوضوي عبثي، فكان أن هدأ من روعهم وطلب إليهم برجاء وإلحاح أن ينهبوا ولكن بنظام. فهو يرى أدوات البيت تؤخذ بشكل غير مناسب، وهذه ليست طبيعته.. فالسجاد الثمين يعطف دون نظام، والبسط «جمع بساط» تلفّ من غير تهذيب، وأدوات الديكور من تماثيل صغيرة ومزهريات، تقحم في «الجونية» أو الشملة دون مبالاة، فلم يحزنه أنه ينهب رأي العين، وإنما الذي أحزنه هو أن هذه الممتلكات أو المقتنيات لا تقدر حق قدرها وإنما تعامل معاملة حقيرة وتافهة. فاستمر يصرخ ويصرخ «انهبوا ولكن بنظام» وذهب يعلمهم كيف تعطف البسط والمفارش والسجاد، ويعلمهم كيف يكون جمع «المداعات» كيف ينبغي أن تفصل القصيب، والبواري على حده، ثم يفرغ منها الماء، ثم تحمل برفق، وذهب يشرح لهم كيف أن هذه «المباخر» النحاسية توضع على نحو مقبول ثم... ثم... ثم. إن المطلوب أن يعمل المسؤولون بنظام وأن يجعلوا النظام نصب أعينهم، وأنه لكي نربي وزراء ومسؤولين للمستقبل ينبغي أن نعلمهم كيف النظام حتى لو أفسدوا فسوف يفسدون بنظام.