للشباب تطلعات كثيرة تخالف تلك التطلعات المحدودة للأجيال السابقة، وقد تكون عند شرائح من الشباب غير واضحة الرؤية، فتتكون لديه ثقافة غائمة لا تنجلي معالمها، بسبب تعدد الوسائط التكنولوجية المستخدمة حديثاً، وتحكم سلطة النظم السياسية العربية المحتكرة لكل المجالات فينتج عن ذلك انسداد الأفق الثقافي، وتعثر المسار الإبداعي، و ازدياد الشعور بالإحباط و اليأس وفقدان الثقة...مما يدفع بالشباب و المتتبعين للشأن العام ، مشاركة الحياة العامة من خلال قنوات بديلة، وفي مقدمتها الحركات الدينية و العرقية و المناطقية، و التي تحولت إلى أهم فاعل ثقافي وسياسي أيضاً، في مواجهة النظم المستبدة في معظم الدول العربية. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت أيضا العديد من الحركات الاحتجاجية الشبابية ذات أرضية سياسية ثقافية ومطلبية نشأت خارج الأطر المؤسسية، فتحولت الثقافة لديهم لثقافة التغيير. ورفضت تلك الحركات أن تشارك في المنظومة السياسية التي فرضتها الدولة على معارضيها، وتبنت خطابا يتجاوز مطالب الإصلاح التدريجي، وطالبت بالتغييرات من خلال تعبئة الشارع في مواجهة النخب الحاكمة. كما لجأ الشباب في السنوات الأخيرة إلى استخدام الفضاء الإلكتروني، و المواقع الاجتماعية لتأسيس حركات احتجاجية شبابية أصبحت محركا مهما للتغيير الثقافي في العديد من الدول العربية. وظهر في الآونة الأخيرة نمطان رئيسيان للتغيير في المنطقة. النمط الأول يقوم على نجاح حركات ذات طابع عرقي أو طائفي أو ديني في تحدي سلطة الدولة المركزية. أما النمط الثاني، فيقوم على نجاح حركات احتجاجية ذات طبيعة أفقية لا مركزية تجمع بين فئات مجتمعية و سياسية مختلفة في إسقاط النخب الحاكمة، من خلال تعبئة شعبية واسعة النطاق . لاشك أن حركات التغيير والثورة ضد سلطات الحكام العرب ، كانت من أهم الأسباب في إعادة تشكيل الثقافة عند الشباب، لتكون ثقافة متحررة، متمردة ترفض الماضي العتيق الذي كان سبباً في تأخرنا وجمودنا، وما تفرزه صفحات الفيس بوك والتويتر وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي للشباب، خير دليل على تلك الثورة الفكرية والثقافية التي تصاحب الثورات السياسية، ثورة على ما هو تقليدي ، ثورة أسست ثقافة تعددية لاتجاهات مختلفة، لم يعد بوسع القوى السياسية أن تقيد أو تجمد تلك الأصوات الشبابية ، فقد صار بوسعها أن تكشف كل زيف، فالملاحظ أن أنظمتنا العربية السابقة كرست وسائلها لتهميش هذا الوسط وتعطيل دوره في الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث خلقت ثقافة التابع للنظام وللاتجاهات الحزبية والطائفية. فقد مرت سنوات طويلة لم يعد فيها المثقف يمثل الدور المناهض لسياسة حكومته ولم يعد مؤثرا في الواقع الجماهيري السيء الذي أصابته تشوهات خطيرة في بنيته الفكرية. ولكن ما أعقب الثورات خلق ثقافة سياسية، ترصد الاحداث وتخضعها للنقد المواكب لمعطيات الواقع الراهن. رابط المقال على الفيس بوك