العالم الرباني (أحمد بن علوان) رحمه الله: نظري إليك مفسرٌ ما أعجمُ وإشارتي تُبدي الذي أنا أكتمُ ودموع عيني أنت برق غيومها ولسانُ حالي في العتاب يترجم ُ فأنا الذي نمت عليه دموعه وأنا الذي فضحته منه الأعظمُ جسمي النحيلُ يقولُ هذا عاشق ٌ ويقولُ دمع ُ العين هذا مغرم ُ جارٌ ،محب ،ٌ خائف، ٌ متضرّع ٌ متعلّق، ٌ متملق، ٌ متندّمُ حاشاكمو أن أُبتلى ببلية ٍ في أمنكم وأنا الملبي المحرمُ مني السلام ومنكم ُلي مثله أنتم بدأتم بالمكارم فاختموا إن تكرموه فماله من حارم ٍ أو تحرموه فما له من مُكرمُ التعليق : لا يستطيع القلم مهما أوتي من البلاغة أن يعطي تعليقا ً شافيا ً في مثل هذا الحيز، لكني أود القول: إن المفردات بمجموعها تعطينا صورة لقلب ملدوغ ، أحرقه الحب الإلهي فاعترى جسد صاحبه الهزال أما الدمع فهو كالسحاب الهتون في أيام نيسان. صاحب هذا القلب إشاراته تفسير لما يعتلج في الصدر وخلجات النفس كيف لا ورب إشارة أبلغ من عبارة كما يُقال. هذا القلب أتعب حامله فهو مجاور للملكوت الأعلى ، في حين الجسد يعيش في الأرض وهكذا القلوب الكبيرة تفتك بالأجساد ، فجوار القلب للملكوت الأعلى جاء عن جهاد وحب، فأنا جار محب خائف متضرع – منكسر لا يعرف الغرور ، بل هو أيضا ً متعلق (متلذذ) بمعاناته الجسدية والروحية ، طالما وهي في سبيل المحبوب لا سيما إذا كان المحبوب هو ذو العرش المجيد الرؤوف الرحيم. (متملق ٌ) هذا مصطلح صوفي فلكل قوم مصطلحاتهم.. مصطلح يطلقه أصحاب التزكية القلبية على كل متذوق لذكر الله لا يفتر لسانه ، فكلما أحس بالقرب أزداد تلذذا ً بالذكر.. وفي الوقت نفسه لا يأخذه العجب بزيادة القرب بل هو يظهر الندم على ساعات وأيام أضاعها بعيداً عن هذا الجو الملكوتي. صاحب هذا القلب النادم يحاول بمزيد من العرفان بالفضل السابق لله عز وجل على هذا الإنسان (أنتم بدأتم بالمكارم فاختموا) فالمدد مطلوب أولاً كما مطلوب أخيراً بل أشد.. ويصل إلى حالة أعظم يستذكر معها عظيم فضل الله وكرمه، وإذا كان المعتاد أن المخلوق يتكرم على من دخل بلده أو داره ، أو بساطه فالله أعلى وأجل وأعظم عطاءً وكرماً وجوداً لكل البعيدين عنه فما بالك بمن هو طريح بابكم مقيم في جواركم وأمنكم وهو الفقير المنكسر الملبي الملتزم بشعائر الله وشرعه ، والمحرم – حارم نفسه حطام الدنيا في سبيل الحصول على مرضاتكم، وليس له باب سواك أيها الكريم فإذا لم تكرمه فقد ضاعت حياته وحاشاكم أن تردوا من ارتمى بأشلائه على بابكم حاشاكم إذ لا كريم غيركم ومن يهن الله فما له من مكرم. إذا أكرم الرحمن عبداً لعزه فلن يقدر المخلوق يوماً يهينه وإذا كان مولاه العظيم أهانه فلن يقدر المخلوق يوماً يعزه