نحن أمام وصفه علاج للقلب الغافل, جمعت بين دقة الاستعارة , وعمق المعنى , وعقل خيالي خصب في الحكمة، هذه الوصفة ذكرها ابن حجر في كتابه (الاستعداد ليوم المعاد) ونسبها برواية الحسن البصري إلى شاب ٍ كان يمشي في سوق البصرة ووقف بين يدي عشاب – طبيب - وسأله أيها الطبيب هل لديك علاج للقلب الغافل فقال : الطبيب نعم فقال : هات قال : خذ عشرة أشياء : عروق شجرة التوبة ، أضف إليها هليلج الاستغفار ضعها في هاون الرضاء ، اسحقها من دار القناعة، غربلها بمنخل الإخلاص ، ضعها في إناء العفة ، وصب عليه ماء الحياء ، وأوقد عليه نار الخوف ،حركه بملعقة التقوى، أبرده بمروحة الرجاء، اشربه بكأس المحبة ، واشرب عليه ماء الشكر فإنه نافع ٌ لك بإذن الله. التعليق : 1 - اجتماع علاج القلوب ( تهذيبا ً وتزكية ) وعلاج الأبدان عند طبيب أعشاب من روائع الثقافة الإسلامية. 2 - نحن أمام علاج متميز جمع بين اللغة الأدبية الراقية المتمثلة في دقة الاستعارة اللغوية ودقة التوصيف ودقة العلاقة في الربط بين المعاني. 3 - قوله عروق التوبة فيه إشارة إلى التواضع وعدم الغرور والابتعاد عن الظهور والبعد عن العجب، وإذًا فعليه أن يدفن نفسه في أعماق التواضع فالتواضع مهبط جميع الفضائل وباب التواضع خالٍ ٍعن الواصلين بخلاف سائر الأبواب فهي مزدحمة حسب توصيف ابن القيم وسائر حكما التزكية القائلين ادفن نفسك في ارض الخمول فيما نبت لم يدفن لا يؤتي ثماره قلت البذرة إذا كانت ظاهرة التراب فإنها تذوي سريعاً. 4 هليلج الاستغفار : هذا العقار الطبي هي مادة مسهلة تخرج الأخلاط من سائر العروق والشرايين هنا نجد الطبيب شبه الاستغفار وكأنه صابون العروق والمقصود هنا طهارة النفس. 5 المنجار هو الهاون والمسحق(الملكد) بلغة العامة والمقصود هنا أن يتحلى بالقناعة فهذا عقار نفيس اذا اقتنعت بما قسم الله لك رضيت وهذا غاية السعادة. 6 الغربال (المنخل) هذا تصوير للإخلاص رائع ودقيق فالتوبة لابد لها من منخل دقيق ينقيها من الشوائب. 7 إناء الرضاء هو قدر الطبخ والمقصود لا تقتنع عجزاً وإنما ارض بما أنت عليه من حال فترة العلاج. 8 ماء الحياء المقصود استحي من الله أن يراك على سوء. 9 نار الخوف هذه النار كفيله بقتل جراثيم النفس كالطمع والجشع والظلم والكبر والحسد والغرور وسائر شهوات النفس. 10 ملعقة التحريك المقصود أن التقوى مطلوب في كل حال استقم واحذر أن تطغى في استقامتك(االتشدد)واحذر أن تفرط فلا إفراط ولا تفريط. 11 عند استعمال العلاج لا تشربه حاراً وإنما لابد من ضرورة تبريده بمروحة الرجاء وهذا عين الاستقامة المتوازنة الجامعة بين الخوف والرجاء لأن كثرة النار وشرب الوصفة وهي حارة قد تفسد العلاج 12 مقدار الجرعة هو مقدار الحب لله عز وجل فمن جمع الحب والخوف حاز جميع ما سبق .. حب وخوف جناحان للقلب المقبل على الله.