في الثانوية كانت لنا مدرّسة رائعة، من أفضل المدرّسات وأجودهن، كانت ملتزمة وخلوقة، وندين لها بالفضل في تبديد الحواجز بيننا وبين المادة المعقّدة التي درستنا إياها، لم تكن البنات يحببنها؛ والسبب أنها كانت ترتب أنوثتها بشكل مغاير عن باقي المدرّسات اللواتي كن يتوشحن السواد ويرتدين الإحباط والوهن معه، كانت بالمقارنة بالبقية «فلتة»، عطرها الفواح يمتد كخيط لهب من أول الممر لآخره ليؤجج مشاعر دينية موتورة، كنا كمراهقات نمتزج بها ومعها في داخل المنهج وخارجه. ذات يوم كتبنا لوحة ورقية كبيرة وعلقناها في الجدار أمام ناظر المعلّمة، لازلت أتذكر لونها الوردي والخط الذي كتبت به؛ ربما لأنها كانت شاهدًا على حقبة من الحياة تعود لها خواطري بين الفينة والفينة، كتبنا على هذه اللوحة حديثًا للرسول صلى الله عليه وسلم:«أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية». لا أعرف إن لمحت أننا قصدناها بها، ولا أعرف كم المشاعر السيئة التي تركناها في قلب سيدة كانت تتفانى لجعلنا أفضل، كانت وقاحة وافقتنا عليها مدرسة أخرى متشددة جدًا، لكنها خارج هذا الموقف طيبة جدًا كملاك، تتحول الغيرة على المعتقد إلى شر أحيانًا.. لا يعرف عن هذا إلاّ من يخرج من الحلقة الضيقة ويبصرها من بعيد. لن ألوم على مدرستنا الأخرى ما اعتقدت أنه الصواب، أحببتها مدرستي هذه وهي كانت تحبني، ذات يوم علمت برغبتي في الدراسة في الخارج، فلم يمض يومان حتى تلقيت منها هدية ودودة، تعبيرًا عن سعادتها بطريقتي في تجويد القرآن، فرحت بالهدية وفي البيت فتحتها بدافع من الفخر أمام عائلتي، ووجدت فيها نسخة من القرآن وكتيبات للذكر وكاسيت كتب على ظهره «مفاسد سفر المرأة بلا محرم»، شعرت بالحزن وقد سقط على روحي؛ إذ لم أكن أحسب أن هذا نوع التقدير الذي يجب أن تحظى به طموحاتي، وهي رهن الغيب، لازال الكاسيت في خدره المكنون لم أفتحه ولم أستمع إليه حتى هذا اليوم، مضى عليه أكثر من 12عاماً، كانت هي السنوات التي سافرت فيها بلا محرم وبلا مفاسد، وعدت منها أنفع لنفسي وعائلتي ومحيطي. رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر