يبدو أن #مصر اليوم مقبلة على منعطف خطير في تاريخها، فبعد أن أصبحت تتعافى من الاضطرابات الأمنية والاقتصادية منذ 25 يناير، يجري الحديث اليوم عن اقتراب مواجهة مسلحة بين #الجيش والإسلاميين الرافضين الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان، الأمر الذي يذكر الكثير بالسيناريو الجزائري خلال التسعينات من القرن الماضي. ماذا حدث خلال العشرية السوداء في الجزائر؟ عادة ما ينظر إلى فترة "العشرية السوداء" التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات مثالا للصراعات بين القوى الدينية والمؤسسة العسكرية في العالم العربي، الصراعات التي يدفع دائما فيها الشعب الثمن. في عام 1990 في عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، أقيمت أول انتخابات بتعددية حزبية، فازت فيها بسهولة جبهة الإنقاذ الإسلامية على منافسها الوحيد حزب جبهة التحرير الوطني، الأمر الذي لم يتقبله #الجيش، فتدخل مباشرة بتأييد من القوى المدنية، فألغى نتائج العملية الانتخابية بداعي "وقف خطر الإسلاميين"، لتبدأ فصول جديدة من الصراع الدموي بينهما. من أرشيف الحرب الأهلية الجزائرية * إنشر * * * لكن قبل الاصطدام المباشر بين #الجيش والاسلاميين في الجزائر بعد منعهم من الوصول إلى دفة الحكم، كان بينهم علاقة متوترة منذ بداية الثمانينات، حيث نشط الإسلام السياسي متأثرا بالثورة الإيرانية وناقما على الطبقة الحاكمة "الشيوعية القومية"، فبدأ الأمر باستهداف محلات بيع الكحول وإرغام النساء على ارتداء "الحجاب"، كما تعالت أصوات زعماء إسلاميين بضرورة "تطبيق الشريعة" في الحكم، قال في سياق ذلك علي بلحاج آنذاك "إن المصدر الوحيد للحكم هو القرآن وإذا كان اختيار الشعب منافيا للشريعة الإسلامية، فهذا كفر وإلحاد حتى إذا كان هذا الاختيار قد تم ضمن انتخابات شعبية". انتبهت الدولة الجزائرية آنذاك إلى تنامي قوة الاسلاميين خصوصا في أوساط طلاب الجامعات وبعض المناطق السكنية، ما حذا بها إلى إدخال تعديلات دستورية تتوافق مع "الشريعة" كالشأن في قانون الأسرة، ومن جهة أخرى طالبت منظمات مدنية بإصلاح النظام السياسي، وهوما استجاب له في الأخير الشاذلي بن جديد وفتح مجال التعددية السياسية سنة 1989، وهي الفترة التي تأسست جبهة الإنقاذ الإسلامية برئاسة عباس مدني وعلي بلحاج. رفض الشاذلي بن جديد إقصاء جبهة الإنقاذ بعد فوزها، وهو الذي وعد بفرز حكومة من الشعب قبل #الانتخابات، بيد أن #الجيش أجبره على الاستقالة. كان الإسلاميون يحضرون لمعركة مع #الجيش حتى قبل #الانتخابات فقد كانوا يتوقعون الصدام معه، وهو الأمر الذي يفسر اندلاع الصراع المسلح مباشرة بعد تدخل #الجيش واعتقاله قيادات جبهة الإنقاذ. توحدت مختلف القوى الاسلامية وقررت بدء حرب عصابات ضد #الجيش، فكانت تشن هجومات وتفجيرات وعمليات انتحارية ضد المؤسسات الحكومية والأمنية بأسلحة بدائية، كما كانت تقوم باغتيالات لشخصيات ثقافية وإعلامية وفنية تراها مؤيدة للنظام، بينما #الجيش يعتقل الآلاف منهم ويقتل عشرات الآلاف باستخدام القوة الحربية، إلا أنه مع ذلك وجد صعوبة في احتواء الوضع المضطرب، نظرا لمساحة أرض الجزائر الشاسعة، مما يمكن الجماعات الإسلامية المسلحة من الاختباء في الغابات والصحاري والجبال. خلفت تلك الحرب الأهلية ما يقارب 200 ألف قتيل، كان من بينهم عشرات الآلاف من المدنيين، حيث أبيدت قرى عن آخرها ذبحا، اتهمت منظمة العفو الدولية مختلف أطراف النزاع بارتكابها. مع بداية القرن العشرين بعد أن تأكد #الجيش من سحقه الجماعات الإسلامية المسلحة، قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقد ميثاق "السلم والمصالحة" مع ما بقي من المسلحين المتشردين في الجبال والصحاري. لتطوي الجزائر صفحة حالكة بالدماء في تاريخها، لا زالت تعاني من مخلفاتها على جميع الأصعدة حتى اليوم. الإخوان في مفترق طرق بين السلمية والعنف طفى إلى السطح مؤخرا انقسام في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في #مصر، الجماعة التي توصف بأنها أكبر تنظيمات الإسلام السياسي بالعالم العربي. التيار الثوري في الجماعة الدينية الغامضة، الذي يمثله الشباب يدعو إلى مواجهة النظام المصري بالسلاح، بعد كل حملات القمع والتنكيل والقتل التي قام بها ضدهم، وهم يتهمون القيادات التقليدية للجماعة بسوء إدارة صراعهم مع العسكر، ولا سيما بعد حكم الإعدامات في حق زعماء الجماعة أصبحت طائفة من الشباب ترى بأن السلمية لم تعد تجدي نفعا. أما التيار السلمي الذي يمثله قيادات كبار السن فيحاول جاهدا ثني الشباب المتحمس الذي يتوق إلى معركة مع نظام السيسي، ويدعوهم إلى الصبر واعتماد إستراتيجية النفس الطويل كبديل عن العنف لتحقيق "الشرعية"، التي يجسدها أنصار الإخوان في عودة مرسي مرة أخرى إلى الحكم، والإطاحة بالسيسي الذي يصفونه "بالانقلابي". وبالفعل أعلنت مجموعات شبابية على صفحات المواقع الاجتماعية عن تبنيها للعنف، مثل "ولع" و"المولوتوف" و"قصاص" و"هنرعبكم" وغيرها، تنفذ عمليات حرق وتخريب مؤسسات مدنية وأمنية من أجل زعزعة استقرار النظام، كاستهداف أعمدة ومحولات الكهرباء، وقطع الطرقات، وهي العمليات التي تباركها قنوات إعلامية تابعة للجماعة تبث من تركيا، كقناة "مكملين" و"رابعة"، كما تلقى تأييدا من قبل قيادات إخوانية. لكن حتى الساعة لا يرقى العنف الذي يتبناه بعض الشباب الساخط من الإخوان إلى مواجهة مسلحة، كالشأن مع تنظيم أنصار بيت المقدس التابع لداعش الذي تمكن من قتل المئات من الجنود وقوات الأمن في سيناء، غير أن السيسي يضع تنظيم الإخوان مع الجماعات المسلحة المعروفة والمجهولة في سلة واحدة، ما جعله يشن هجمة شرسة ضد أفرادها وبناها المالية والتنظيمية. وقد أصبح البيان الذي أصدرته مجموعة من الوجوه الدينية، والذي يدعو "إلى التخلص من النظام الجائر واستحضار معاني الجهاد" مرجعية "شرعية" للشباب الذي يرغب في مواجهة مفتوحة مع نظام السيسي وكل من يؤيده. هل يتكرر السيناريو الجزائري؟ في 3 يوليو من العام قبل الماضي، أطاح السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي، والذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في #مصر، كان ذلك بمباركة شعبية وقوى مدنية كانت تتوق للتخلص من حكم الاسلاميين الذي أصبح بمثابة "فاشية دينية" بالنسبة إليهم، ومن أجل ذلك كانت مستعدة تلك القوى للتحالف مع أي كان لإسقاط نظام الجماعة. في سياق التطورات الراهنة، يجري الحديث عن إمكانية تحقق السيناريو الجزائري في #مصر، ولا سيما إذا فقدت جماعة الإخوان السيطرة على صفوفها الشبابية، فهل حقا #مصر تقترب من السيناريو الجزائري؟ تحظى المؤسسة العسكرية في #مصر بشعبية، كما أنها تتمتع ب"شرعية دينية وإعلامية وسياسية"، علاوة على قوتها الحربية وبنيتها الداخلية المتماسكة، وبالنسبة لجماعة الإخوان فقد فقدت جزءا من شعبيتها بعد حكم مرسي، كما أن القوى السياسية المدنية بما فيها المعارضة للنظام المصري الحالي، لا تصطف مع الإخوان لمناهضة حكم السيسي، لكونها تتخوف من عودة الإسلاميين إلى الحكم، وهو الأمر الذي يجعل البعض يرى أن الصراع الدائر في #مصر، في أصله ليس بين #الجيش والجماعة وإنما صراع بين القوى المدنية والقوى الدينية. في ظل هذا الوضع، بالتأكيد سيكون لجوء جماعة الإخوان إلى العنف، مبررا كافيا لإبادة الجماعة من قبل العسكر، مما سيؤدي إلى اندثارها كما اندثرت جبهة الإنقاذ اليوم في الجزائر. ورغم أن جماعة الإخوان في حالة اتخاذها المواجهة المسلحة طريقا لإسقاط النظام، قد تكلف الأخير بعض الخسائر البشرية والمادية، إلا أنه من المستبعد تحقيقها أي نصر على #الجيش، كما أنها قد تخسر شعبيا. لكن ما هو مؤكد أن اندلاع حرب مفتوحة بين #الجيش والجماعة سيغرق #مصر في دوامة عنف دموية قد تستمر لسنوات، وبالطبع سيكون الشعب هو من سيدفع التكلفة، إن #مصر اليوم تحتاج إلى مصالحة شاملة بين قواها السياسية والمدنية اليوم قبل أي وقت مضى.