يصعب على المواطن اليمني وعلى المراقبين في الخارج ، استيعاب ردود أفعال السلطة مما يجري اليوم في الشارع الغاضب في كل مناطق البلاد ، فلم يكن أحد يتوقع أن تتبع الدولة وأجهزتها الأمنية وحزبها الحاكم هذه الطريقة في التعاطي مع الأحداث ، حيث تم تحويل الأمور إلى نوع من العبثية التي يرفضها المنطق ، فالتعامل مع المتظاهرين بهذه القسوة والوحشية أمر غير مفهوم ، ونزول قيادات حزبية إلى الشوارع والميادين في العاصمة وبقية مناطق البلاد ، للإشراف على عمليات الإعتداء على الشباب المتظاهرين بمختلف أنواع الأسلحة ، يعتبر نسخة مطورة من سلوك الحزب الوطني الحاكم في مصر ، فإذا كان أعضاء الحزب الحاكم في مصر استأجروا بلاطجة للقيام بضرب المتظاهرين وهو بعيد عنهم ، فإن المؤتمر الشعبي العام أنزل ، مع الأسف ، قياداته معززة بالمال العام لإنفاقه على البلاطجة لتخويف وترويع الناس ، مع أن هذا مال عام وسيأتي اليوم الذي سيحاسب عليه الحزب الحاكم ، لأنه ينفقه في أماكن غير أماكنه الصحيحة . وجاءت قضية الاعتداءات على الصحافيين والمراسلين للوسائل الإعلامية الأجنبية لتزيد الأمور تعقيداً ، كان مشهد الضرب الذي تعرض له مراسل تلفزيون ال " بي بي سي " الزميل عبدالله غراب ، بالإضافة إلى مراسلي وسائل إعلام مختلفة محلية وأجنبية ، مرعباً بكل معنى الكلمة ؛ فماذا كانت تريد السلطة إيصاله إلى الصحافيين يا ترى ، وهل يخدم ذلك صورة النظام في الخارج ؟ . لقد أوصل هؤلاء البلاطجة اليمن إلى نفس المشهد الذي ظهرت فيه مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية ، وأفقدت بعض العناصر في الحزب الحاكم تعاطف الناس مع النظام ، خاصة وأن المستأجرين للإعتداء على المتظاهرين المطالبين بحقوق مشروعة ، تسلحوا بالعصي والهراوات والجنابي والفؤوس للانقضاض عليهم ، وشحن الحزب الحاكم الناس للدفاع عن النظام ، لدرجة فهم هؤلاء هذا الدفاع بأنه ضرب المحتجين والمتظاهرين وحتى قتلهم ، وهذا ما وضح في المواجهات الأخيرة ووثقت بالصوت والصورة من قبل منظمات حقوقية عالمية معنية بهذه القضايا ، بينما كان الأولى أن ينأى الحزب الحاكم بنفسه عن مثل هذه التصرفات وأن تحمي الأجهزة الأمنية المتظاهرين ، المطالبين بحقوق مشروعة ، طالما أنهم لم يقدموا على أية عمليات تخريب لممتلكات الدولة . إن السلوك الذي يسلكه النظام اليوم يعجل باقترابه من مصير تونس ومصر ، فهذا الاستنفار غير المبرر للبلاطجة في الشوارع ، وهذا السعار في التعامل مع وسائل الإعلام من قبل البلاطجة المدعومين للأسف من قبل بعض قيادات الحزب الحاكم ، يدل على أن النظام يستشعر قرب قدوم النموذجين المصري والتونسي ويخشى حدوثهما في البلاد ، وهذا الدفع الغزير بالقبائل والمستأجرين من العاطلين عن العمل إلى الشوارع دليل على ذلك . يستغرب الإنسان أن تناشد وزارة الداخلية المواطنين بعدم تعطيل الحياة في البلاد ؛ فيما الحزب الحاكم ، وهو المفروض أن يكون أكثر التزاماً بالقانون ، ينزل أنصاره وحلفائه للاستيلاء على الشوارع والساحات ومداخل المدن حتى لا يتيح لمعارضي النظام التعبير عن آرائهم ومطالبهم كما يكفله الدستور والقانون . ما يحدث اليوم صورة سلبية لكيفية إدارة النظام للأزمة القائمة في البلاد ، فالخوف من التغيير لا يجب أن يأخذ طريق الفوضى ، والتأريخ لن يرحم من ساهم في إيصال البلد إلى هذه المرحلة من الفوضى العارمة التي يقول الحزب الحاكم إنه يتحاشاها ، بينما هو في مقدمة الصفوف لتعميمها .