لا يزال العالم العربي يدور في «أزمة قطر». ليس منذ ثلاثة أشهر، كما قد يبدو، وإنما منذ عقدين، أي منذ أن قررت الدوحة الخروج من إطار مجلس التعاون وطموحاته البسيطة إلى نادي الدول الكبرى وأدوارها وموازناتها وبسط نفوذها. والطموح حق من حقوق الأفراد والدول. لكنه مثل كل شيء آخر في الدنيا محكوم بشروط الطبيعة وحدود الأشياء. جميع الإمبراطوريات الكبرى تساقطت عندما تجاوزت، بكثير أو قليل، منطق الممكن والمعقول، وجميعها هوت عندما تخطت معادلات الحساب. يفتح المال أبواباً مُغلقة ويُسقط جدراناً عالية. سقطت أغنى وأقوى قوة على وجه الأرض في بلد فقير يدعى الفيتنام. وفقدت هناك تأييد جميع دول العالم، وأقامت على نفسها عداء جميع شعوب العالم. ثمة منطق للإمكانات والاحتمالات والطاقات، لا يمكن الخروج منه، ولا الخروج عليه. لم يعترض أحد على أن يكون فريق الكرة القطري من الأفارقة. المنتخب الفرنسي مليء بهم. ودُهش كثيرون، لكن أحداً لم يعترض على أن تنافس قطر، بريطانياوفرنسا واليابان والبرازيل، في استضافة الأولمبياد. فالمال يروّض صيف الدوحة ويبسط الملاعب تحت المظلات ويرسل الفيء ظليلاً في عز الظهيرة. ولم يكن لأي كان أي شأن في استثمارات قطر الكبرى في أوروبا، من «هارودز» في لندن إلى فريق «السان جيرمان» في فرنسا، فهذا قانون العرض والطلب. هل من حق قطر، أو غير قطر، أن تستخدم قدرتها المالية لملاحقة دولة صغيرة مثل البحرين، مرة تريد أرضها، ومرة تريد استقرارها، ومرة ترسل حمد بن جاسم إلى المنامة لكي يملي على البحرينيين أصول الحكم؟ أم هل من حقها أن تفرض على دولة كبرى مثل مصر نوعية النظام الذي يجب أن تعيش فيه، فإما أن تستبدل الدكتور محمد مرسي بمحمد علي وسعد زغلول وعبد الناصر، وإما فسوف تلاحقها كل يوم بالشيخ القرضاوي و«الجزيرة» ورسائل «المشاهدين» المتحدثين باسم حرية الرأي؟ صحيح جداً أن الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل عرضا بثلاثين مليون دولار لتقديم سلسلة برامج على «الجزيرة»، لكن ذلك لم يحوله إلى قطري. إلى اللقاء...