مقالات توفيق السامعي فرض الله -سبحانه وتعالى- صيام شهر رمضان؛ شهراً كاملاً ومحدداً، كما قال تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}البقرة184، ليتم الإفطار الإلزامي في الأول من شوال باعتباره عيداً بعد فريضة، يكون عيداً فيه فرح وأكل وشرب وتوسعة على الأهل والعيال، تستمر أيامه أربعة أيام على الأقل قياساً بعيد الأضحى مع أيام التشريق الثلاث. وقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة، كما في البخاري، "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ". في هذه الفرحة يقتلها الكثير من الناس بالتكلف والمشقة بصيام ست من شوال عقب عيد الفطر مباشرة، استناداً إلى حديث هو من الآحاد، كما عند مسلم، من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". والحديث جاء من طريق واحد هو أبو أيوب الأنصاري. وتمام الرواية، كما عند مسلم، حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر جميعاً عن إسماعيل، قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه-، أنه حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" صحيح مسلم: ص822، رقم الحديث 204- 1164 سَعْدُ بنُ سَعِيدِ بن قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَكَانَ ثِقَةً {وثقه ابن عمَّار والعجلي وابن حبان. وتكلم فيه ابن حبان، والترمذي وأبو حاتم من قبل حفظه. وقال ابن عدي: "لا أرى بحديثه بأس". وقال النسائي: "ليس بالقوي. وضعفه أحمد، وابن معين وقال مرة: صالح". وقال ابن حجر: "صدوق سيئ الحفظ. وقد أخرج له البخاري تعليقاً، وبقية الجماعة". قَلِيلَ الْحَدِيثِ دُونَ أَخِيهِ. وقد قواه آخرون وضعفه بعضهم. صيام ست من شوال هي مستحبة، كما قال العلماء، ونافلة من النوافل من شاء صام ومن شاء ترك، لكن الإشكال عند البعض من الحرص عليها والتشديد فيها بعد رمضان مباشرة يرفعها إلى درجة الفريضة والوجوب، ويقتل فرحة العيد عند أهله. والله -سبحانه وتعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يكلفها فوق طاقتها. من أراد صيامها تقرباً ففيها سعة التفريق يمكن أن يصومها مع أيام البيض في النصف من شوال، ويمكن أن يجعلها كل اثنين وخميس، ويمكنه تفريقها على بقية أيام الشهر، بعد أن ينقضي على الأقل الأسبوع الأول من شهر شوال. وقياساً على مثلها من المناسبات، كعيد الأضحى مثلاً وبعده أيام التشريق الثلاث، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، لحديث النبي –صلى الله عليه وسلم: "إنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى". وما بعد عيد الفطر تكون كذلك. حديث صيام ست من شوال لم يكن مشهوراً عن كثير من الصحابة كصيام أيام أخر مثل يوم عرفة أو يوم العاشر من محرم قبل فرض صيام رمضان أو غيره، مما دلت عليه أحاديث كثيرة، وبطرق كثيرة، وعن صحابة كثر؛ فحديث صيام ست من شوال لم يقل به إلا أبو أيوب الأنصاري فقط، فأين كان بقية الصحابة لم يسمعوا به كذلك؟! كما إن هذا الحديث لم يرد عند البخاري، وإن ورد عند مسلم والنسائي وأبي داوود. وقد اختلف أهل العلم على صيامها على فريقين؛ "فريق يستحب صيام الست من شوال. وهو قول: المتأخرين من الحنفية (فتح القدير 2/ 349, مراقي الفلاح ص 236, تبيين الحقائق 1/ 332, رد المحتار 2/ 435), وقول الشافعية (المهذب 1/ 344, البيان 3/ 548, المجموع 6/ 379, النجم الوهاج 3/ 358), والحنابلة (مسائل أحمد رواية عبد الله ص 193, المغني 3/ 176, المحرر 1/ 231, الإنصاف 3/ 343). (عن المباركفوري بتصرف). أدلة: القائلين بأنه يستحب صيام الست من شوال. الدليل الأول: عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر» (صحيح مسلم ص822، رقم الحديث 204- 1164). الدليل الثاني: عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر, وصيام ستة أيام من شوال بشهرين, فذلك صيام سنة» (رواه النسائي في السنن الكبرى 3/ 239 رقم 2873, في الصيام, باب صيام ستة أيام من شوال, واللفظ له, وابن ماجه 1/ 547 رقم 1715, في الصيام, باب صيام ستة أيام من شوال, وأحمد 37/ 94 رقم 22412, وصححه الألباني في الإرواء رقم 950). الفريق الثاني الذي يكره صيام الست من شوال. وهو قول: الإمام أبي حنيفة (فتح القدير 2/ 349, تبيين الحقائق 1/ 332, حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص 639. ذكر بعض الحنفية: أن ما روي عن أبي حنيفة من كراهة صوم ستة من شوال هو غير رواية الأصول, أو إن مراده بذلك أن يصوم يوم الفطر وخمسة أيام بعده، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه, بل هو مستحب. ينظر: بدائع الصنائع 2/ 78, ورد المحتار 2/ 435). وكذلك هو قول الإمام مالك (المقدمات 1/ 243, الشامل 1/ 203, مختصر خليل ص 61, مواهب الجليل 2/ 414. واشترط أصحاب مالك لكراهتها: أربعة شروط: -أن يكون فاعلها مقتدى به، -مُظهِرا لها، -متصلة برمضان متتابعة، -معتقدًا سنة اتصالها. فإن انتفى قيد من هذه الأربع لم تكره. ينظر: شرح الزرقاني على خليل 2/ 353). سبب الخلاف: قد يرجع الخلاف -والله أعلم- إلى سببين: الأول: معارضة (عمل أهل المدينة) لحديث صيام الست من شوال (المقصود عملهم في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين فحسب). الثاني: ترك العمل بحديث صيام الست من شوال سداً للذريعة؛ حتى لا يعتقد الجُهّال فرضيتها. أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يكره صيام الست من شوال. الدليل الأول: أن حديث صيام الست من شوال غير معمول به عند أهل العلم من أهل المدينة. قال الإمام مالك -في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان-: "إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها, ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف, وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته, وأن يُلحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء (الغلظة)؛ لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم, ورأوهم يعملون ذلك" ( الموطأ: ص 310, كتاب الصيام, باب جامع الصيام) (عن المباركفوري بتصرف) . نورد هذا الأمر ليس إعراضاً عن الصيام بحد ذاته؛ بل بالإلحاق بعد عيد الفطر مباشرة، وتشديد الكثير على صيامها لترفع إلى درجة الفريضة، وهو أمر غير صحيح. وأما الصوم بحد ذاته فهو أفضل كما قال تعالى: (وأن تصوموا خير لكم). * صيام الست * رمضان * شوال 1. 2. 3. 4. 5.